هَل مَخاوِف الأُردن مِن انهِيار السُّلطة الفِلسطينيّة وتَبِعاتِها حقيقيّة ولها مُبَرِّراتها؟

 

يُمكِن وصف القِمّة المُتَوقَّع انعِقادُها في العاصِمة الأردنيّة عمّان بين العاهِل الأُردني الملك عبد الله الثاني، والرئيس الفِلسطيني محمود عباس بأنّها قمة “التَّأزُّم”، فكِلا الزَّعيمَين يُواجِهان أوضاعًا داخليّةً صعبةً، وضُغوطًا خارجيّةً مُتعاظِمةً، ومِن الولايات المتحدة وإسرائيل تَحديدًا، للتَّماهِي مع صفقة القرن ومُتَطلَّباتِها مِن تنازلاتٍ تُصَنَّف في قائِمةِ “المُحرَّمات”.

العاهِل الأُردني يُواجِه حِراكًا داخِليًّا غاضِبًا بسَبب قوانين الضرائب التي أثقَلتْ كاهِل المُواطنين، وارتِفاعٍ فاحِشٍ في الأسعار، جعل مِن الظُّروف المعيشيّة أمْرًا لا يُحتَمل، ليسَ فقط من قِبَل الطَّبقةِ الفَقيرة المَسحوقة، وإنّما مِن الطَّبقةِ الوسطى التي كانَت تُشَكِّل العمود الفقريّ لاستِقرار البِلاد بسبب قُدرَتها الإنتاجيّة العالية، وهِي الطَّبقة التي بَدأت تَفقِد هُويّتها، وتَقترِب بشَكلٍ مُتسارعٍ مِن الطَّبقةِ الفقيرة، والأُمور نِسبيّة طبعًا، ولوحِظ أنّ هُناك تَوجُّهات لإضفاءِ طابَعٍ سِياسيٍّ على هذا الحِراك، وتوسيع دائرته للمُطالَبة بمَواقِف حازِمة لدَعم انتفاضَة الأرض المُحتلَّة في الضِّفَّةِ والقِطاع.

أمّا الرئيس الفِلسطينيّ محمود عبّاس، فيُواجِه التَّهميش مِن قِبَل الغالبيّة مِن شعبه داخِل الضفّة الغربيّة والقِطاع وفي المَنفى، مِثلَما يُواجِه التَّهديدات باغتيالِه مِن قِبَل المُستوطنين المُتطرِّفين، بينَما تتعزّز في المُقابِل سُلطَة حماس وشعبيّتها، بعد العَمليّات الهُجوميّة المُكَثَّفة الأخيرة التي استَهدفت المُستوطنين والجُنود الإسرائيليين، وأعلَنت مَسؤوليّتها عنها، وخاصَّةً إطلاق النّار على هؤلاء (الجُنود والمُستوطنين) في مَدخل مُستَوطنة عوفر ومَقتلِ وإصابَة العَديد مِنهُم.

الإهانات الإسرائيليّة لم تتوقَّف للرئيس عبّاس طِوال الأسابيع الأخيرة، ووصَلت لدرجة اقتِحام مقر وكالة أنباء السُّلطة (وفا) التي لا تَبعُد عَن بيته إلا 200 متر، وجَرى اعتِقال العَديد مِن العامِلين فيها، كما جرَت مُداهَمات لمنازِل قُرب مَقر الرِّئاسة في رام الله.

لا نَعرِف في هذه الصحيفة “رأي اليوم” كيف سيُواجِه الزَّعيمان هذا الوَضع المُتفاقِم الذي يُشكِّل تهديدًا مُباشِرًا لسًلطتيهما في ظِل هذا الوَضع العربيّ المُتدهور، حيثُ قرَّرت مُعظَم حُكومات الخليج تَجاوزهُما ماليًّا وسِياسيًّا، ونَسْج عُلاقات تحالفيّة، أمنيّة وسياسيّة قويّة مع دولة الاحتِلال مُباشرةً، ولا نَعتقِد أنّ البيانات أو التصريحات ذات الطَّابَع التقليديّ الإنشائيّ التي جَرى استِخدامُها أو اطلاقها في لقاءاتٍ سابقةٍ يُمكِن أن تُفيد هَذهِ الأيّام.

الذين التَقوا العاهِل الأُردنيّ في الأسابيعِ الأخيرةِ لمَسُوا حالةً مِن القَلق غير مسبوقة باتَت واضِحةً على مَلامِح وجهِه، فأكبر المَخاوِف التي يعيشها تتلخَّص في أربعِ نُقاطٍ:

ـ الأُولى: أن تنهار السُّلطة الوطنيّة الفِلسطينيّة بقيادة الرئيس عبّاس، وتَعُم الضفّة الغربيّة حالةً مِن الفَوضى، عُنوانها تَكثيف اللُّجوء للعَمل المُسلَّح ضِد الاحتِلال الأمر الذي قد يُؤدِّي إلى نُزوحِ مِئات الآلاف إلى الأُردن.

ـ الثّانية: إصرار الإدارة الأمريكيّة على فَرضِ ما يُسَمَّى صفقة القَرن بالقُوّة على السُّلطات الأُردنيّة، وتقديم تنازلات في القُدس المُحتلَّة، والوِصاية الهاشميّة على المَناطق المُقدَّسة فيها الإسلاميّة والمَسيحيّة، وخاصَّةً المسجد الأقصى، لمَصلحة وِصايَة سعوديّة مَدعومة إسرائيليًّا، وعَدم التَّجاوب قد يَعنِي وقف المُساعَدات الماليّة والتَّلويح بالحِصار الاقتِصاديّ.

ـ الثَّالثة: وجود خُطَّة في إطار صفقة القرن تَقضِي بإعادَة المُدن الرئيسيّة الأكثَر كثافة سُكّانيّة في الضفّة الغربيّة إلى الأُردن للتَّخلُّص مِن عبئها بشَكلٍ نِهائيٍّ، مِثل الخليل، ونابلس، وطولكرم، ورام الله، وجنين، لأنّ انهِيار سُلطة عبّاس، يعنِي انهِيار أجهزة الأمن الفِلسطينيّ والتَّنسيق الأمنيّ بالتّالي، والبَديل الوحيد والمَوثوق هو قُوّات الأمن الأُردنيّة، وهُناك مَصادِر إسرائيليّة تُرَوِّج لصِيغَة الكونفدراليّة لتَبرير، أو شرعَنَة هذا المُخَطَّط.

ـ الرابعة: مُسانَدة ودَعم حُكومات خليجيّة لصفقة القرن بشَكلٍ علنيٍّ، ليسَ مِن خِلال التَّطبيع مَع الإسرائيليين سِياسيًّا واقتِصاديًّا وأمنيًّا، وإنّما أيضًا مِن خِلال تجويع الأُردن، ومُحاصَرتِه، ووقْف المُساعَدات الماليّة عنه، حتّى يرضَخ في نِهايَة المَطاف لهَذهِ الصَّفَقة، ويُشارِك في تَنفيذِها.

العاهِل الأُردنيّ أكَّد دائمًا على قِيام الدولة الفِلسطينيّة، والقُدس عاصِمةً لها، مِثلَما أكَّد على تَمسُّكِه بالوِصايَة الهاشميّة كامِلةً، ورَفْضِه صيغَة الكُونفدراليّة لأنّه يَعرِف أنّها مِصيَدة للأُردن وتَصديرِ الأزَمَات إليْه.

خِتامًا نقول بأنّ الزَّعيمين يُواجِهان خَطَرًا وُجودِيًّا لسُلطَتيهما، وغضبة شعبيّة، وحالةً مِن التَّمرُّد على السِّياسات المُهادِنة التي تتّبعها حُكوماتهما تُجاه الاحتِلال وعُقوباتِه الجماعيّة لأهلِ الأرض المُحتلَّة، وتَغَوُّل سِياسات الاستِيطان ونَهبِ الأراضي، وتَهويد العاصِمة الفِلسطينيّة المُقدَّسة.

نَحنُ في هَذهِ الصَّحيفة “رأي اليوم” لا نُمَيِّز بين شرق أو غرب أردني، مِثلَما لا نُفَرِّق بين الأُصول والمنابِت، لأنّنا لا نُؤمِن بالوِحدة الوطنيّة الأُردنيّة فقط، وإنّما أيضًا بالوِحدة العربيّة الشَّامِلة التي ستَظَلُّ حُلمنا وطُموحنا الأبدِيّين، ويَثْلُج صَدرنا عِندما نَجِد الغالبيّة السَّاحِقة مِن أبناء الأُردن، والشَّرق أُردنيين بالذّات، الأكثَر تَطَرُّفًا والتِزامًا بالقضيّة الفِلسطينيّة، ورَفضِ كُل سِياسات التَّنسيق الأمنيّ، والتَّطبيع السياسيّ والاقتِصاديّ مع الاحتِلال، مِثلَما يرفُضون وجود سفارة إسرائيليّة في عمّان، ويَعتَرِضون بقُوَّةٍ على مُعاهَدة وادي عرَبَة التي أتَتْ بِها.

العاهِل الأُردني والرئيس الفِلسطينيّ مُطالَبان مِن قِبَل شَعبَيهِما توحيد جُهودِهما، واتِّخاذ مَواقِف مُشتَركة صَلبَة وحاسِمة، تضع حدًّا للغَطْرَسةِ الإسرائيليّة، وتَوَقُّف العُقوبات الجَماعيّة، والتَّوَغُّل الاستِيطانيّ، وتتصدَّى بقُوَّةٍ لكُل أشكالِ التَّطبيع المُتسارِعة، قبل أن تتفاقَم الأزَمَات، ويتَّسِع الخرق على الرَّاقِع، ويُصبِح الوَقت مُتَأخِّرًا لوَقفِ الانْهِيار، وإنقاذْ ما يُمكِن إنقاذُه.

صحيفة رأي اليوم الألكترونية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى