واشنطن تستأنف وساطتها: الحوار الكردي بوّابةً لهيكلة المعارضة
لا تكتفي الولايات المتحدة، في تعاملها مع الملفّ السوري حالياً، بتعزيز حضورها العسكري في شمال سوريا وشرقها، بل هي تسعى أيضاً إلى إعادة هيكلة المعارضة السورية، وخلْق جسم سياسي ذي تأثير، يكون الأكراد عمادَه الرئيس، بالاستفادة من تخفيض تركيا مستوى دعمها المادّي لـ«الائتلاف الوطني» المعارض. من هنا، يبدو أن الأميركيين رأوا الوقت مناسباً راهناً، لإعادة تحريك المياه الراكدة في ملفّ الحوار الكردي – الكردي، بوصْف الأخير البوّابة اللازمَ عبورها لإحداث التقارب المأمول بين «الإدارة الذاتية» و«الائتلاف»، الذي يضمّ في صفوفه ممثّلين عن «المجلس الوطني الكردي» المُعارض لـ«قسد». والظاهر أن المبعوث الأميركي الجديد إلى شمال وشرق سوريا، نيكولاس جرنجر، المُعيَّن حديثاً في منصبه، مكلَّف بمهمّة رئيسة، عنوان إعادة فتْح قنوات الحوار بين الطرفَين الكرديَّين، ومن ثمّ قيادة جهد دبلوماسي تصالحي بين هذَين وبقيّة أطراف المعارضة، في محاولة لعرقلة الحراك الروسي – الإيراني الهادف إلى تطبيع العلاقات بين دمشق وأنقرة، وإتاحة المجال أمام واشنطن لاستعادة سيطرتها على الملفّ السوري.
وفي هذا الإطار، التقى جرنجر ممثّلي أحزاب «المجلس الوطني»، قبل أن يتوجّه إلى مقرّ «أحزاب الوحدة الوطنية» الكردية، التي تتشكّل منها «الإدارة الذاتية» بقيادة «حزب الاتحاد الديموقراطي» (PYD)، للقاء كلّ منها على حدة في القامشلي. وتُعدّ هذه اللقاءات الأولى من نوعها منذ تجميد الحوار بين الطرفَين في مرحلته الثالثة منذ أكثر من عامَين، إثْر خلافات جوهرية حول الملفّات المتعلّقة بالتجنيد الإجباري المفروض من قِبَل «الذاتية»، والتعليم، وفكّ ارتباط «PYD» بـ«حزب العمال الكردستاني»، وتعديل العقد الاجتماعي لـ«الذاتية»، وإفساح المجال أمام «المجلس الوطني» للمشاركة في الحياة السياسية والعسكرية، بما يشمل إدخال «بشمركة روج أفا» إلى المنطقة.
ويلفت القيادي في «المجلس الوطني»، محسن طاهر، في تصريح إلى «الأخبار»، إلى أن اللقاءات الأميركية الكردية «استعرضت عدداً من الخطوط العريضة المتعلّقة بإيجاد آلية لاستئناف الحوار الكردي – الكردي»، كاشفاً أن «جرنجر أبلغهم أنه ينوي السفر إلى كردستان العراق ومن ثمّ أنقرة وبَعدها إلى واشنطن، في ما يبدو محاولة للحصول على دعم إقليمي لاستئناف هذا الحوار». ويشير إلى أن «أحزاب المجلس أعادت طرْح وُجهة نظرها الخاصة باستئناف الحوار، مستعرِضةً المضايقات التي تتعرّض لها، والاعتداءات على مقارّها وقياداتها». ولا يبدي طاهر أيّ تفاؤل بنجاح الجهود الأميركية الجديدة، «إذا لم تتوافر الإرادة الكاملة من كلّ الأطراف الإقليمية لإنجاحها»، معتبراً أن «الحوار الكردي هو جزء من الحلّ السياسي الشامل في البلاد، والذي يحتاج إلى توافقات دولية مع كلّ الأطراف بما في ذلك روسيا». وإذ يرفض اعتبار تلك الجهود مضادّة للتوجّهات التركية الجديدة، فهو ينفي «وجود أيّ محاولات أميركية لسحْب ملفّ إدارة المعارضة بما فيها الائتلاف من الأتراك، في ظلّ وجود تنسيق مستمرّ بين أنقرة وواشنطن»، مستنداً في ذلك إلى «تَوجّه المبعوث الأميركي إلى تركيا للحصول على دعمها لإطلاق مرحلة جديدة من المباحثات بين الأطراف الكردية».
من جهتها، تُقلّل مصادر كردية مستقلّة، في حديث إلى «الأخبار»، من أهمّية الخطوات الأميركية، معتبرةً أنها «لا تزال استعراضية فقط». وتَلفت إلى أن «الأميركيين لا يضغطون أبداً على طرفَي الحوار الكرديَّين لتقديم تنازلات، وهو ما يجعل من الحوار عقيماً، ومن دون أيّ نتائج تُذكر». وترى أن «واشنطن، من خلال هذه المبادرات التي تتكرّر بين فترة وأخرى، تريد كسْب الوقت، إلى حين التوصّل إلى حلّ سياسي شامل للأزمة السورية»، مشيرةً إلى أن «الولايات المتحدة دائماً ما تكون حريصة على عدم خلْق أيّ حساسية مع الجانب التركي، الرافض لإضفاء أيّ شرعية على PYD والذاتية». وتتوقّع المصادر أن يؤدّي «استمرار الخلافات الكردية – الكردية، حتماً، إلى خروج الأكراد من دون أيّ مكاسب في أيّ حلّ دبلوماسي مستقبلي للأزمة في البلاد».
صحيفة الاخبار اللبنانية