تبدو سياسة واشنطن حيال غزة غارقة في تناقضاتها، بين محاولة البيت الأبيض وقف الحرب لغايات انتخابية وبفعل الخشية من توسّع الصراع الإقليمي، وإصراره على الإبقاء على دعمه العسكري والسياسي اللامحدود لإسرائيل.
وفي هذا السياق، تشير شبكة «سي إن إن» إلى أن محادثات الدوحة جاءت «كمحاولة دبلوماسية أخيرة من قِبَل الوسطاء القطريين والمصريين والأميركيين لإنهاء الحرب وتحرير الرهائن». ملمّحة إلى أن هدف تلك المساعي يصبّ في إطار «ثَنْي إيران عن شنّ هجوم على إسرائيل من شأنه أن يؤدي إلى حرب إقليمية أوسع. ولا سيما أن بعض المؤشرات أظهرت أن طهران قد تتخلّى عن خططها إذا تم التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار» في غزة، وفق الشبكة الأميركية.
واشنطن تواصل تخبّطها: كيف نُفهم تل أبيب «حدود القوة»؟
وما يعزّز تلك الفرضية، بحسب المصدر نفسه، هو أن تقديرات إدارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، تفيد بأن الجمهورية الإسلامية «لم تحسم بعد طبيعة وشكل ردّها الانتقامي ضدّ إسرائيل». وبأن التحذيرات الصادرة عن المسؤولين الأميركيين لإيران «لعبت دورها في التأثير على حسابات» هذه الأخيرة، في هذا الخصوص.
لكن «سي إن إن» نفسها نقلت عن مصدر دبلوماسي إقليمي، تشكيكه في صحّة تلك التقديرات الأميركية، وتأكيده أن «هناك قلقاً من أن تكون إيران ليست في وارد التراجع عن ضرب إسرائيل». وأوضح المصدر أن مرد هذا القلق عدم قيام إدارة بايدن بممارسة ضغوط كافية على (رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين) نتنياهو للتوصّل إلى اتفاق» حول غزة. وحذّر المصدر من أن عدم وضوح نيّات نتنياهو حيال مقترح بايدن الذي كان قد عرضه الأخير في أيار الماضي، «يحمل مؤشرات إلى أن الوقت ينفد للتوصّل إلى اتفاق قبل حلول موعد الهجوم الإيراني المرتقب»، منبّهاً إلى أن «قطر ومصر ربّما لا يكون لديهما نفوذ كاف لدفع حماس إلى تقديم تنازلات» للجانب الإسرائيلي.
وجود تباينات بين واشنطن وتل أبيب
فوق ذلك. تشير التسريبات في الصحافة الأميركية إلى وجود تباينات بين واشنطن وتل أبيب. إذ على رغم قناعتهما بضرورة القضاء على حركة «حماس». تبدو الأولى، المتأثّرة بتجربتَيها «المريرتَين» في أفغانستان والعراق، أكثر ميلاً إلى فهم حدود القوة. خلافاً للثانية. التي تَظهر لغايات جلّها يتّصل بالاعتبارات السياسية والشخصية لرئيس حكومتها، أكثر إصراراً على استكمال معركتها في غزة حتى تحقيق ما تسميه «نصراً مطلقاً».
وفي هذا الصدد. نقلت صحيفة «واشنطن بوست» عن مصادر مطّلعة على مفاوضات الدوحة. تأكيدها أن ما تطرحه «حماس» من مطالب على طاولة المفاوضات، بما فيها مقترحات تتعلّق بآلية وموعد إطلاق سراح الأسرى من الإسرائيليين والفلسطينيين، لا يَنظر إليها الوسطاء على أنها «عقبات مستعصية».
البيت الأبيض «(أنّنا) أقرب (إلى وقف إطلاق النار في غزة) ممّا كنا عليه قبل ثلاثة أيام».
ويتقاطع ذلك مع حديث موقع «أكسيوس»، نقلاً عن مسؤولَيْن أميركيَّيْن. عن المناخ «الجيد جداً» و»البنّاء» الذي ساد المحادثات الدبلوماسية حول غزة خلال الأسبوع الجاري. كما وما أفرزه من «بعض التقدّم» على طريق وقف الحرب. ولفت الموقع الأميركي إلى الاتصالين الهاتفيين اللذين أجراهما بايدن مع أمير قطر تميم بن حمد آل ثاني، والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي. في موازاة عودة وزير خارجيته، أنتوني بلينكن، إلى المنطقة، اليوم، للغرض نفسه. وما بدا لافتاً، هو تأكيد البيت الأبيض «(أنّنا) أقرب (إلى وقف إطلاق النار في غزة) ممّا كنا عليه قبل ثلاثة أيام».
وإذا كان الموقف الأميركي الداعم لإسرائيل لم يتبدّل كثيراً. إلا أن الهوة بين الجانبَين (في الكواليس) في شأن تقييم مسار الحرب على غزة، تتأكد يوماً بعد يوم. وهذا بالضبط ما أشارت إليه صحيفة «نيويورك تايمز» حين نقلت عن مسؤولين أميركيين رفيعي المستوى في وزارة الدفاع. قولهم إن «إسرائيل فعلت كل ما تستطيع فعله عسكرياً في غزة». من خلال تمكّنها من اغتيال عدد من كبار قادة «حماس»، ومن الدخول إلى مناطق واسعة في القطاع أيضا. فضلاً عن تدميرها جزءاً من شبكة الأنفاق التابعة للحركةكما وإن «الجيش الإسرائيلي أيضا. وعلى رغم تمكّنه من إلحاق أضرار شديدة بحماس، إلا أنه لن يتمكّن مطلقاً من القضاء التام على الحركة». في ضوء فشله في تدمير الجزء الأكبر من شبكة الأنفاق التي تبيّن أنها «أكبر بكثير ممّا توقّعته إسرائيل».
«استراتيجية الضربة القاضية» التي تتبعها إسرائيل في غزة
وعلى رغم إشادة هؤلاء بما سمّوه «استراتيجية الضربة القاضية» التي تتبعها إسرائيل في غزة. إلا أنهم أبدوا شكوكهم إزاء جدوى المضيّ في تلك الاستراتيجية على المدى البعيد. ولا سيما أن القوات الإسرائيلية. «لم تثبت قدرتها حتى هذه اللحظة على تأمين كل المناطق التي سبق أن استولت عليها في غزة».
وفي هذا السياق. زعم القائد السابق للقيادة المركزية الأميركية، الجنرال جوزيف فوتيل. أن الجيش الإسرائيلي. «تمكّن من الإضرار بحماس إلى حدّ كبير بصورة تمنع الحركة من تهديد إسرائيل بالشكل الذي كان موجوداً قبل أحداث السابع من أكتوبر». مستدركاً بأن «إطلاق سراح الأسرى (الإسرائيليين) لا يمكن تأمينه إلا عن طريق المفاوضات».
وبحسب الصحيفة الأميركية. فإن المسؤولين الأميركيين الذين زاروا المنطقة خلال الأيام الماضية، حملوا رسالة واحدة مفادها. أنه «لم يَعد ممكناً لإسرائيل أن تحقّق الكثير ضد حماس». وتابعت الصحيفة. نقلاً عن مصادر في إدارة بايدن. أنه «من الأهمية بمكان أن يصار إلى تقديم حوافز لحماس لإقناعها بتحييد نفسها في مرحلة ما بعد اتفاق وقف إطلاق النار في غزة. كما وبالإفراج عن الأسرى» أيضا. مبيّنة أن «الحافز الأكبر في هذا الخصوص يتمثّل في إرساء مسار هادف لإقامة دولة فلسطينية مستقلة». في المقابل. اعتبر الباحث في «المعهد اليهودي للأمن القومي الأميركي»، والمستشار السابق لنتنياهو لشؤون الأمن القومي، الجنرال الإسرائيلي المتقاعد ياكوف أميدرور. أن «ما حقّقته إسرائيل في غزة لا يزال بعيداً كل البعد عمّا ينبغي تحقيقه». لافتاً. إلى أنه «في حال سحبت إسرائيل قواتها الآن من غزة، فإن حماس ستستعيد قوتها هناك خلال عام».
صحيفة الأخبار اللبنانية