واقع مصر في «الحساب يجمع»
ما الذي يمنع نعيمة (يسرا) من بيع منزلها القديم والمتهالك في منطقة عشوائية، على رغم المبلغ الضخم المعروض عليها لبيعه ضمن عملية يقوم بها مستثمرون لشراء أراضي منطقة «الورّاق» النيلية، لتحويلها إلى مساكن عصرية وأبنية تجارية؟
هذا سؤال مهم جداً ومحوري في مسلسل «الحساب يجمع» الذي عُرِض في موسم الدراما الرمضانية على فضائيات عربية عدة، من بطولة يسرا، كريم فهمي، عايدة رياض، محمود عبدالغني، إيمان العاصي، محمد السويسي، ديانا هاشم، بوسي، وتامر حبيب. السيناريو لمحمد رجاء وإياد عبدالمجيد والإشراف الدرامي على التأليف لمدحت العدل، ومن إخراج هاني خليفة.
تعمل نعيمة، المرأة التي اختفى زوجها وعشيقته قبل سنوات، «مخدّماتية» وتقوم بترشيح البنات الصغيرات الفقيرات للخدمة في البيوت. هي تدير عملها من ناحية، وترعى ابنتيها من جهة أخرى، فالكبرى هي منة (إيمان العاصي) التي تسجل فيديوات على وسائل التواصل الاجتماعي بطرق ذكية ومبتكرة، بهدف جمع أكبر عدد من المتابعين لعلها نجمة في ذلك الوسط، الأمر الذي سيضمن لها الثراء السريع. أما الصغرى، هنا التي تجسد دورها ممثلة جديدة هي ديانا هاشم، فتتورط في سرقة الهاتف الجوال الخاص بإحدى زميلاتها في الجامعة، وتسعى الى فضحها عبر نشر الصور الخاصة الموجودة على ذاكرة الهاتف. هذا قبل أن يكشفها أحد زملائها في الجامعة، ويبدأ في التودد إليها والتقرب منها عن طريق الضغط عليها لمعرفته بأمر السرقة التي قامت بها.
شبكة من العلاقات تتشعب من منزل نعيمة. وبخلاف البنتين، ثمة مجموعة كبيرة من النساء اللواتي يعملن كخادمات في البيوت عن طريق نعيمة، ولكل واحدة منهن قصتها. نجوى (عايدة رياض) تلجأ الى بيت نعيمة بعدما طردها ابنها من بيتها ليتزوج. أما سماح (المطربة بوسي) فتقع ضحية سائق «توك توك» يوهمها بالحب مقابل محاولاته الدائمة لتوريطها في سرقة مخدوميها. بينما تلجأ عبير (ندى موسى) للعمل كخادمة في المنازل سراً، من دون علم زوجها، لتنفق عليه وعلى البيت لكونه يعاني من إصابة في ساقه تقعده عن العمل.
في كل بيت من تلك البيوت التي تدخلها الخادمات ثمة نسيج اجتماعي نجح المؤلفان في تشبيكه وعرضه، من سرقات الخادمات، إلى تعديات رب البيت عليهن، مروراً بعلاقة الثقة بين ربة المنزل والخادمة، وحتى محاولات البعض تعليم الخادمات والارتقاء بهنّ. وغيرها من المحاور الدرامية التي شكلت أجزاء من نسيج «الحساب يجمع».
يتزامن عمل نعيمة كـ «مخدماتية» مع عودة كرم (كريم فهمي)، الذي هربت والدته الراقصة بدرية زبادي (صفوة) مع زوج نعيمة. يزعم كرم أنه عائد من رحلة عمل طويلة في البحر الأحمر، ويخفي أنه شريك في جريمة قتل بالشراكة مع عشيقته، زوجة أحد الأثرياء. يخفي كرم في خزانته تمثالاً فرعونياً أثرياً ذهبياً لا يقدر بثمن، قام بسرقته مع شريكته من زوجها بغية بيعه والوصول أيضاً إلى حلم الثراء السريع.
يتشابك المساران ويتقاطعان، بين نعيمة وكرم. يشتركان معاً في سرقة جديدة، يفعلان كل شيء بهدف تدبير مبلغ من المال لتقديمه إلى أصحاب الديون كي لا تضطر نعيمة إلى بيع البيت. والسبب الخفي لرفضهما تلك الصفقة، يظهر في النصف الثاني من الحلقات، وهو أنهما اشتركا في قتل زوج نعيمة، (عشيق بدرية زبادي، أم كرم)، قبل سنوات طويلة، وقاما بدفنه تحت أساسات المنزل الذي كان قيد الإنشاء في تلك الفترة. كرم الذي كان صبياً حينها، لمح أمه وزوج نعيمة في أوضاع مشينة، فما كان منه إلا أن طعنهما، ونعيمة رأت ذلك، واختارت أن تدفن الجثتين والفضيحة، بدلاً من إخراجها للعلن. ولهذا السبب تقاوم نعيمة وكرم عملية بيع البيت، لأن بيعه وهدمه يعني استخراج عظام الموتى وبالتالي افتضاح الجريمة القديمة.
في المقابل، يسعى الحاج نور (محمود عبدالغني) بكل السبل لشراء البيت من نعيمة وتقديمه للمستثمرين، بوصفه ابن الرجل الأثرى في المنطقة، ولأنه أيضاً تورط في اتفاق مع أولئك المستثمرين على أن يسلمهم المنطقة بكل بيوتها ليبدأوا فيها مشاريعهم.
ما بُني على باطل إذن هو بالضرورة باطل، والأخطاء القديمة مصيرها الافتضاح وإن طال الزمن، هذه هي الرسالة المركزية للعمل، والتي قام المؤلفان بنسج الأحداث حولها. جريمة تقود إلى جريمة، ومحاولة للإنكار تقود للتورط في المزيد من الكذب، تضيق الحياة على نعيمة وكرم، وتبدأ مراوغاتهما في الانكشاف. وفي النهاية يضطر كرم إلى تسليم نفسه للشرطة والاعتراف بجرائمه القديمة والحديثة.
اختار المؤلفان الإشارة إلى منطقة «الوراق» التي تشهد في هذه الأيام مواجهات بين السكان والحكومة التي ترى أن كثيراً من بيوت المنطقة مبنية على أراضي الدولة وتسعى الى نزع تلك الأراضي وتهجير السكان مع تقديم تعويضات. ويبدو أن هذه الإشارة كانت استباقية لما يحدث حالياً من مواجهات بين سكان جزيرة الوراق وقوات إنفاذ القانون الحكومية.
وربما تكون هذه الإشارة من العوامل التي منحت المسلسل قدراً من الأهمية لكونه يتقاطع مع واقع راهن.
صحيفة الحياة اللندنية