وبكينا معا على الشجر المحروق !
وبكينا معا على الشجر المحروق !
وتسألين لماذا بكيت حزناً على حرائق الشجر العظيم في بلادنا ؟
كيف لا أبكي وقد كتبتُ اسمك على كل شجرة وصلنا إليها !
أنسيتِ، كيف هطل المطر ورحنا نركض بين عرازيل الحقول كعصفورين يبحثان عن عش يأويهما!
أنسيتِ كيف رفضتْ امرأة التنور أن تأخذ ثمن مناقيش الزيت والزعتر لأننا عاشقان ولأن العشاق رسل المحبة.
أنسيتِ كيف استقبلنا عجوز الحاكورة الذي يحرث أرضه بمعول صغير ويرتدي نظارة مكسورة، فجلس وهو يقول الحمد والشكر لك يا ألله على هذه الأرض الطيبة، ثم قال مرحبا : الحمد والشكر لك يا ألله على الناس الطيبين؟
أنا لم أنس ، وكيف أنسى وكل شجرة هناك أخفت شيئاً من حبنا؟!
أتذكرين كيف كنا نرسم قلوبا متقابلة على الأغصان العالية ويكتب كلُّ واحد منا اسمه، لنخفي عشقنا الأبدي؟
كنتِ تضحكين وتضحكين، وتهمسين من فوق أن أحداً لن يرى القلوب سوى السماء، فقلتُ لكِ إنها الشاهد على حبنا !
أتذكرين البحر الواسع ، وكنا نراه من أعالي الجبال ، ونهتف يا ألله.. ما أجملك أيها البحر، وكنت تحلمين أن نصبح سمكتين عاشقتين تغوصان حتى القاع!
وكيف لا أبكي حزنا على الزيتون و الليمون والبرتقال والمندرين .. كيف لا أبكي على الصنوبر والخروب والغار والشوح وبقايا أشجار الأرز التي بنى الملوك قصورهم منها ؟
أتذكرين يوم وصلنا إلى تلك القرية الساحرة في أعالي الجبال ، عندها رسمتُ أمام وجهك دائرة وهمية ، وغازلتك كطفل مشاغب :
ــ نحن في السماء الأولى !
فقلت بغرور تقرئين معنى الدائرة التي رسمتها:
ــ وأنا قمرها !
ويوم صعدنا إلى أعلى قمة في تلك الجبال قطفتُ عشبة أكليل الجبل وصنعتُ لك تاجا لعروس الجبال، فجلستِ على صخرة عند حافة الوديان العميقة، وقلتِ أنا الملكة وأنت الوزير، فحنيت ظهري ، وأنا أردد:
ــ أمر مولاتي!
ويوم هبطنا إلى أوغاريت . قلتِ لي :
ــ هاقد صرتُ امرأة أسطورية تشبه عشتار ..
كيف لا أبكي، وقد اتفقنا مرة بيننا أن البلاد التي نحبها هي بلاد الشجر من جبل أرارات حيث هبط نوح في سفينته إلى آخر شجرة في آخر الأرض .
كيف لا أبكي ..
وكل الذين مروا على هذه الأرض من غزاة وقتلة وعسس وقطاع طرق وخونة وجواسيس وظلّام ذهبوا وبقيت الأشجار..
كيف لا أبكي ياحبيبتي ..
وعند آخر غابة في جبل الحلو ناديتك : ياحلو..
وكتبت على شفتيك كلمة ( نبع ) ..
كيف لا أبكي ، وبكاء الأشجار يترامى في أنحاء الأرض ؟!