وثائقٌ سريّةٌ: جميع قادة الكيان آمنوا بأنّ عرفات وقعّ (أوسلو) لتدمير إسرائيل..
زهير أندراوس
كشف المُستشرِق الإسرائيليّ، إيهود يعاري، الذي عمل في الماضي مُساعدًا لوزير الأمن موشيه ديّان النقاب، لأوّل مرّة، عن أنّه بُعيد انتهاء حرب الأيّام الستّة (عدوان يونيو 1967)، كان شاهد عيان على مُبادرةٍ طرحها جهاز الاستخبارات الخارجيّة (الموساد)، لفحص إمكانيات إقامة دولةٍ فلسطينيّةٍ تحت وصايةٍ إسرائيليّةٍ.
ووفق مزاعم يعاري، المُقرّب جدًا من (الموساد) ويعمل مُحلِّلاً للشؤون العربيّة في القناة الـ 12 بالتلفزيون العبريّ، فإنّ الكثير من جلسات المفاوضات تمّت مع مَنْ أسماهم بالقيادات المحليّة، وساد الانطباع لدى الجانب الإسرائيليّ أنّه على ضوء المباحثات فإنّ الكيان قادرٌ على فحص الخطّة بحذرٍ شديدٍ، على الرغم من أنّ جميع الدول العربيّة رفضت هذا التوجّه، أوْ أيّ مُفاوضاتٍ مع الدولة العبريّة، كما أكّد يعاري في مقالٍ نشره على موقع القناة الـ 12 بمناسبة حلول الذكرى الثلاثين لتوقيع اتفاق أوسلو بين دولة الاحتلال ومنظمة التحرير الفلسطينيّة.
وتابع يعاري قائلاً إنّ عددًا لا يُستهان به من القيادات المحليّة في الأراضي المُحتلّة عام 1967 أعلنت جهارًا عن دعمها للخطّة الإسرائيليّة، وذلك في الوقت الذي كان فيه ياسر عرفات يدخل إلى الضفّة الغربيّة بشكلٍ سريٍّ لتنظيم المقاومة ضدّ الاحتلال الإسرائيليّ.
ووفقًا للمُستشرِق فإنّه في شهر نيسان (أبريل) من العام 1968 قرّرّ وزير الأمن ديّان بإلغاء التجربة، لأنّه لم يثِق بقدرة القيادة الفلسطينيّة المحليّة، أيْ في الأراضي التي احتلتها إسرائيل في العام 1967، لم يثِق بقدرتها على مواجهة الفصائل والتنظيمات المُسلحّة الفلسطينيّة، وأيضًا مُواجهة السياسة الرسميّة التي وضعها الرئيس المصريّ الراحل، جمال عبد الناصر، (لا صلح، لا اعتراف، لا تفاوض).
وشدّدّ المُستشرِق الإسرائيليّ على أنّ قرار ديّان دفن أوّل مُحاولةٍ للتوصّل إلى اتفاقٍ يضمن تنازلات من الطرفيْن، الإسرائيليّ والفلسطينيّ، الأمر الذي أدى إلى ارتفاعٍ كبيرٍ في حجم العمليات (الإرهابيّة) من طرف الفلسطينيين، فيما زادت إسرائيل من ناحيتها عدد المُستوطنات في كلٍّ من الضفّة الغربيّة وقطاع غزّة.
وكشف يعاري النقاب أيضًا عن أنّه خلال محادثات السلام بين إسرائيل وبين مصر، تمّ التداول بين الطرفيْن على إقامة حكمٍ ذاتيٍّ للفلسطينيين في الضفّة والقطاع، وأنّ الأمر تمّ بمعرفة ودعم الولايات المُتحدّة الأمريكيّة، وأنّ الرئيس المصريّ أنور السادات اهتمّ بأنْ يتّم نقل فحوى المباحثات إلى قائد منظمة التحرير آنذاك عرفات، على الرغم من أنّ الأخير رفض اتفاق السلام المصريّ الإسرائيليّ في كامب ديفيد.
وقال يعاري أيضًا، والذي اطلع على البروتوكولات السريّة، التي لم تُنشَر حتى اليوم، إنّ رئيس الوزراء الإسرائيليّ في تلك الفترة، مناحيم بيغن، والذي كان يؤيِّد الحكم الذاتيّ للفلسطينيين، هو الذي رفض الاقتراح جملةً وتفصيلاً ولم يكُنْ معنيًا به، فيما لم يقُم المصريون بالضغط على إسرائيل بما هو كافٍ لإقناعها بضرورة قبولها للحلّ المُقترح، على حدّ تعبيره.
وطبقًا ليعاريّ فإنّه قبل اغتيال السادات في العام 1981 قال الرئيس المصريّ الأسبق للمُستشرِق الإسرائيليّ إنّ “الدولة العبريّة اختارت التعامل مع الفلسطينيين في الخارج وفضّلتهم على الفلسطينيين في الأراضي المُحتلّة 67″، أمّا د. بطرس غالي فقال ليعاري: “إنّكم تُصوّتون لصالح عرفات”.
ويتبيّن من المقال الذي نشره يعاري أنّ جميع رؤساء الوزراء في إسرائيل كانوا على قناعةٍ تامّةٍ بأنّه لن يحدث أيّ اختراقٍ بين الكيان والفلسطينيين دون أنْ يكون تحت إشراف وقيادة ياسر عرفات، لذا رفضوا جميعًا خلال الانتفاضة الثانية إجراء مباحثاتٍ مع أعضاء (القيادة المُشتركة) في الضفّة وقطاع غزّة، كما رفضها إسحاق رابين آنذاك، وزعم أنّ عرفات وجّه له، أيْ ليعاري، رسالة بواسطة مندوبه في القاهرة د. نبيل شعث، مفادها أنّه لن يحصل أيّ تقدّمٍ دون أنْ يكون عرفات نفسه لاعبًا رئيسيًا ومركزيًا.
وكشف يعاري عن أنّه بُعيد التوقيع على اتفاق أوسلو في البيت الأبيض، تمّ تنظيم مقابلةٍ له مع الرئيس الأمريكيّ، بيل كلينتون، الذي بادره بالسؤال “لماذا أنت شكّاك؟”، فردّ المُستشرِق، كما جاء في مقاله: “عرفات وقّع معنا على الاتفاق ليكون بمثابة موطئ قدمٍ له في البلاد وفي العالم، إنّ عرفات لم يُفكِّر بتاتًا بأنْ يتوصّل مع الإسرائيليين إلى سلامٍ حقيقيٍّ مع الدولة اليهوديّة، اتفاق أوسلو كان عمليًا اتفاق وقف إطلاق نارٍ، لا أكثر ولا أقّل، وفي العام 1995 أعطى عرفات الضوء الأخضر لحركة (حماس) بالبدء بتنفيذ العمليات التفجيريّة داخل ما يُسّمى بالخّط الأخضر”.
وخلُص المُستشرق إلى القول إنّ اتفاق أوسلو كان فاسدًا ومعطوبًا منذ البداية وبشكلٍ خطيرٍ، وعلى الرغم من ذلك يجِب المحافظة عليه، وتصليح الأخطاء كي يكون الاتفاق التاريخيّ انطلاقة لاتفاقٍ بين الإسرائيليين والفلسطينيين ولا يقود لطريق مسدودةٍ، ومن أجل ذلك يجِب تنفيذ إصلاحاتٍ واسعةٍ في السلطة الفلسطينيّة وتحييد الجيل القديم عن القيادة، ومنح الجيل الجديد الفرصة لقيادة السلطة نحو غدٍّ أفضل، وبالمُقابِل منع الحكومة الحاليّة في تل أبيب من ضمّ الضفّة الغربيّة للسيادة الإسرائيليّة، على حدّ تعبيره.
صحيفة رأي اليوم الألكترونية