وراثة أم إرث؟
عبد الملك بن مروان، قبل الخلافة كان ـ حسب السيوطي ـ عابداً زاهداً ناسكاً في المدينة. حتى أنه عُرف ب “حمامة المسجد” لمداومته على قراءة القرآن.وعندما التقى عبد الملك بن مروان في مسجد الرسول بأحد جنود الجيش الذي أرسله يزيد بن معاوية لمقاتلة عبدالله بن الزبير راح يؤنبه تأنيباً شديداً: “أتدري لمن تسير؟ إلى أول مولود في الإسلام، وإلى ابن حواري رسول الله، وإلى ابن ذات النطاقين، وإلى من حنّكه رسول الله.
أما والله لو أن أهل الأرض أطبقوا على قتله لأكبّهم الله جميعاً في …النار”. هذا الخليفة الحساس الورع، عندما علم أنه بويع بالخلافة كان المصحف في حجره فأطبقه وقال: “هذا آخر عهدي بك”. ثم وقف على منبر الرسول في المدينة وقال: “والله لا يأمرني أحد بتقوى الله بعد مقامي هذا إلا ضربت عنقه”. ثم جهّز جيشاً من أربعين ألف مقاتل بقيادة الحجاج بن يوسف الثقفي محاصر مكة شهراً، ورماها بالمنجنيق وأصاب الكعبة وأخذ عبد الله بن الزبير (الذي قال عنه ما قال) وصلبه.
وإذا كان قد مضى حتى الآن قرون عديدة على ممارسات أجدادنا لسلطاتهم بكيفيات مخزية… فإننا اليوم أحفاد جديرون بالإرث. فالنظر إلى عين أية سلطة عربية، والتحديق في وجهها يجعلنا نرتجف ، قليلاً أو كثيراً، من فرط الخذلان أو الخوف. لقد كان البرنامج السياسي لأبو جعفر المنصور (الخليفة العباسي الثاني) هو نفسه البرنامج السياسي للحاكم العربي معلناً أو غير معلن: “أيها الناس. إنما أنا سلطان الله على أرضه. أسوسكم بتوفيقه وتسديده وتأييده. وحارسه على ماله. أعمل فيه بمشيئته وإرادته وأعطيه بإذنه. فقد جعلني عليه قفلاً، إذا شاء أن يفتحني فتحني لإعطائكم وإذا شاء أن يقفلني عليه أقفلني”.
وفي الكثير من المحاولات لتفسير الاستبداد الشرقي والطغيان تنفع العودة إلى نظرية أرسطو في كتاب “السياسة”:
” يتمثل الطغيان بمعناه الدقيق في الطغيان الشرقي. حيث نجد لدى الشعوب الآسيوية عموماً. على خلاف الشعوب الأوروبية ـ طبيعة العبيد، وهي لهذا تتحمل حكم الطغاة بغير شكوى أو تذمر” . والمتأمل لأحوالنا قد لا يجد جواباً على سؤال: لم نحن كذلك؟ وها هي الأيام تمضي ونحن نفتش في زوايا الحياة السياسية عن طريق يفضي إلى أيقونة العصر “الديمقراطية” فنجدها في خطاب استبداد جديد من نوع عصري له قواعد تقنية جديدة وهو “عسكرة الديمقراطية”، تمهيداً لإنزال ميليشاتها الفتاكة بلباس الميدان إلى حروب الأهل.
أمريكا تريد نشر الديمقراطية عبر القواعد والجيش. فالثقافة والتبشيرالقديمان عمليتان بطيئتان. فيما يستطيع جندي المارينز أن يضع دكتوراً في الليبرالية على سدة الحكم الانتقالي تمهيداً لانتخابات المدافع ـ حارسة الصندوق الانتخابي، وأن يعزله، ذات يوم عندما تُحدث نرجسيته بعض الضجيج، وهو يخطىء في ألف باء تصفيته الخصوم من الرفاق الاقرباء وأبناء العم…
أخشى ما ينبغي أن نخشاه هو أن يكون حالنا نوعاً من الوراثة غير القابلة للتعديل: الخلف كالسلف في غطرسة عدم الفهم، ومديح الخسارة، وهشاشة التعلّم من المصدر، ومن التجربة.
ثمة وراثة أيضاً في مكان آخر…
الجنرال “باتون” ( وثمة دبابة أمريكية بهذا الاسم). خطب في جنوده إبان الحرب العالمية الثانية:
الرجال الحقيقيون يحبون الحرب… وأنتم رجال حقيقيون. الأمريكيون يفخرون أنهم رجال فحول. ونحن رجال فحول.
أمريكا تحب الرابحين، ولا نتسامح مع الخاسرين. ونحن نراهن دائماً على
الربح.
الجنرال باتون… أبو الدبابة “باتون” … صدمته، في اليوم الأخير من الحرب، سيارة شاحنة فقط.
أما اليهود… فإنهم سيطالبون السعودية بدفع تعويضات عن الخسائر التي حلّت بأسلافهم يهود خيبر، أيام الرسول في المدينة.