يلتسين الأمريكي!

أصاب فوز دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية، كافة النخب في الولايات المتحدة بصدمة شديدة. ولم يلاحظ معظم الجمهور والخبراء أن ظهور مرشح من هذا الطراز يعود لوجود أزمة عميقة ناجمة عن استنفاد إمكانيات المنظومة الاجتماعية الاقتصادية التي بنيت في الستينات من القرن الماضي في هذه الدولة. ومن هذا المنظور يمكن تشبيه ما يجري في الولايات المتحدة اليوم، بالعمليات التي جرت في الاتحاد السوفيتي خلال “بيريسترويكا غورباتشيوف”.

وتسببت الحملة الانتخابية بحدوث انقسام حاد بين الناخبين الأمريكيين وذلك وفق الانتماء العرقي وحتى الجنسي (بما في ذلك الموقف تجاه قضية الأقليات الجنسية) ووفقا لاستطلاعات الرأي، فقد صوت لصالح ترامب في صفوف ذوي البشرة البيضاء (69 في المئة من إجمالي الناخبين)، 58% ولصالح كلينتون 37%. ونالت كلينتون بين أفراد الأقليات العرقية والإثنية (31% من الناخبين) 74% فيما حصل ترامب فقط على 21%. وحصل ترامب على 63% من أصوات الرجال البيض و53% من أصوات النساء البيض. في حين أن هيلاري حصدت- 31 و 43 في المئة على التوالي. ولكن ترامب وعلى الرغم من اللهجة العدوانية تجاه المجموعات العرقية المختلفة، نال تأييد 8% من ذوي البشرة السوداء و29% من الناطقين بالإسبانية وهي نتيجة أفضل من التي حققها الجمهوري ميت رومني في انتخابات 2012.

من المآخذ الجدية على السيدة كلينتون وفقا لبعض الخبراء، كان افتقارها إلى رؤية استراتيجية والجشع والاعتماد على مجموعة ضيقة من المستشارين المفضلة دائما، وانعدام روح الدعابة والاستعداد للقيام بأي شيء من أجل السلطة وكل ذلك كان يعني رفض أية تغييرات محلية، وهو أمر كان سيؤدي حتما الى زيادة التوتر الداخلي، ولا عجب أن بيرني ساندرز منافس هيلاري خلال اختيار مرشح الحزب الديمقراطي كرر حينذاك مرات عديدة بسخرية وتهكم:” الخبرة أمر جيد بدون شك، ولكن الحس السليم له قيمته أيضا”. لقد ظهر خلال الحملة الانتخابية الأخيرة، شعور بأن كلينتون “علقت في نفسيتها” في فترة الخمسينيات من القرن الماضي وبقيت تفكر بمعايير تلك الفترة.

منذ بداية الحملة الانتخابية، عمل لصالح هيلاري فعليا كل النخب السياسية والاقتصادية والإعلامية الأمريكية وجرت محاولة مستميتة لتشويه سمعة ترامب لأن هذه النخبة رأت فيه تهديدا للمنظومة القائمة منذ الستينات من القرن الماضي في هذه الدولة . كل ذلك يذكر وإلى حد كبير بما جرى في الاتحاد السوفيتي في المرحلة الختامية من البيريسترويكا( 1987-1991). وأدى تصرف النخبة الأمريكية خلال الحملة الرئاسية الى ظهور ما يسمى ” بتأثير يلتسين: “كانت الحملة ضد ترامب عدوانية ووقحة جدا لدرجة أغضبت جزءا كبيرا من الناخبين. تماما كما حدث في الاتحاد السوفيتي عندما صوتت نسبة كبيرة من الناخبين ليس لصالح يلتسين بل ضد اللعبة غير النزيهة من جانب الطبقة الحاكمة في الحزب الشيوعي وسيطرتها على مختلف مجالات الحياة، بما في ذلك المجال الإعلامي وكان التصويت لصالح يلتسين بمثابة الاحتجاج على الفساد السائد في الطبقة العليا الحاكمة”.

ويلفت النظر أيضا أن كلا من يلتسين وترامب جاءا من قلب النخبة، ولكنهما تمكنا من تصوير نفسهما بالنسبة لهذه النخبة وللجمهور بأنهما ضد النخبة الفاسدة. من وجهة نظر التغطية الإعلامية يمكن تشبيه الحملة الأمريكية الحالية بالانتخابات الرئاسية الروسية عام 1996. حينذاك وقفت النخبة السياسية برمتها والطغمة الأوليغارشية والغرب على شكل جبهة واحدة ضد زيوغانوف وتم استخدام كل الترسانة المتوفرة ضده (بما في ذلك الحصار الإعلامي الكامل لكل معارضي يلتسين والتزوير الصريح يوم الانتخابات).

في الوقت الراهن تعاني الولايات المتحدة من وجود انقسام حاد بين الناخبين مع عدم رغبة النخبة بشكل كامل بما في ذلك نخبة الأقلية السياسية، الإقرار بوجود مشكلة وتقديم التنازلات اللازمة لإنقاذ الوضع – ونتيجة لذلك، ازدياد إمكانية حدوث انفجار اجتماعي. لقد مرت الولايات المتحدة مرتين بمثل هذا الوضع في الثلاثينيات والستينيات من القرن الماضي. وفي الحالتين تم تفادي الانفجار بفضل تنفيذ الإصلاحات في الحالة الأولى على يد الرئيس فرانكلين روزفلت خلال سنوات الكساد العظيم. وفي الحالة الثانية على أيدي الرئيسين كيندي وجونسون اللذين نفذا حملة للحقوق المدنية وشكلا آليات حكومية توفر للأقليات حقوقها.

موقع لينتا رو الروسي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى