ينبوع الشباب الدائم

هاهي مونديال كرة القدم تقترب كي تتغير حياتي معها من الملل و اللامبالاة إلى الإنشغال التام و الإهتمام الكبير بكل تفاصيل يوميات هذا المهرجان العالمي ، لا لأنني لاعب او مشجع مهوس لفريق محدد …لا…ليس لعجوز مثلي و قد ودع الشباب منذ سنين أن يخدع نفسه و الأخرين معه أنه ما يزال يتمتع بشبابه هذه أضحوكة لا أمارسها لا على نفسي و لا على الأخرين غير أنني كيف أفسر هذا الإهتمام الذي يلعب بكياني و يُحيلني من عجوز ملول لا عمل له سوى الإسترخاء و النوم و المطالعة المتقطعة.

لابد أنها أيام الزمان النائي حين كنا أطفالا في الثلاثينيات ، فمراهقتي فشبابا في باكورة مرحلتهم ، و كان أحب الرياضات إلي عهدئذ لعبة كرة القدم ، هواية جعلتني وراء تأليف فريق كامل للعبة في العدد و العدة سميناه ” فريق الرشيد ” و نظمنا له و نحن بعد صغار السن رئيسا ، و أمين صندوق ، و إشتراكات مادية و مدربا محترفا و خوض المباريات في مدينتنا ” اللاذقية” – وقتئذ- أو في “جبلة ” القريبة ، و في القرى المجاورة … و يالها من أيام حافلة بألوان القمصان الملونة الزاهية التي اخترناها للاعبي الفريق… لم أترك هذه الهواية إلا بعد البكالوريا و إنتسابي إلى المعهد العالي للمعلمين الذي أنقرض منذ سنين – حيث كنا نداوم صباحا في كلية الأداب في جامعة دمشق ، و بعد الظهر في كلية التربية إضافة إلى دروس التخصص في التدريس (الثانوي) … و هكذا تحولت ” كرة القدم” إلى مجرد هواية لم تفقد جاذبيتها إطلاقا إذ صرت من المأخوذين بمشاهدة المباريات في الملاعب ثم على الشاشة الصغيرة ، و صرت من مشجعي فريق ” مانشتويونايند” لسنوات ، ثم غيرت إلى ” ريال مدريد” أيام اللاعبين الأسطوريين ” بوشكاش” المجري الأصل و ” دي ستيفانو ” الأرجنتيني – كما أذكر – و مازلت حتى الأن رياليا مع أيام ” كريستيانو رونالدو “.

ماذا أسمي هذه الحماسة التي لم تفارقني حتى في أحلك الأحداث الضارية التي نرزح تحت كابوسها إلى الأن …؟ ها أنذا في هذا العمر الذي يهد الحيل و يحني الظهر إذ لا إهتمام لي الأن – بعد آخر أخبار البلد المفجعة – إلا في تتبع أخبار المونديال المقبل في منتصف حزيران و انتظار فوز البرازيل بعد هزيمة فريقها المريعة و غير المسبوقة في نهائي مونديال 2014 مع ألمانيا بسبعة أهداف مقابل هدف واحد .

ياإلهي .. ماذا أسمي كل هذا الإهتمام و انا في مثل هذه الشيخوخة ؟

يقول لي أهلي وأصدقائي و هم يرون إلى جنوني بهذه اللعبة التي ما تزال تثيرني و تحدد أفراحي و خيباتي المريرة … ما زال الأهل و الأصدقاء يعزونني على شيخوختي بقولهم : ( أنت ما تزال يا أستاذ شابا بروحك التي ما تزال تفيض حرارة و أشواقا و مرحا بالرغم من إنحناء ظهرك كي تيعد إنتصابه) و هنا تعود إلى ذاكرتي الخاطرة الرائعة للكاتب الأمريكي “صمويل أولمان” التي ترجمها إلى العربية ” إبراهيم عبد القادر المازني بأسلوبه الأدبي السلس لمجلة ” المختار” الشهرية – و التي توقفت عن الصدور – حيث نشرت هذه الخاطرة تحت هذا العنوان : ( ينبوع الشباب الدائم ) التي أحفظها غيبا لجمالها و صدقها و هذا مقطع منها :

(( ليس الشباب زمنا من أزمنة الحياة ، و إنما هو شعور في النفس ، و إرهاف في العزيمة ، و توقد في الخيال ، و نشاط في العواطف و إيثار في الشجاعة على التهيب و غلبة شهوة المغامرة على حب الراحة ، و ما من أحد يهرم لأنه عاش عددا من السنين و إنما يهرم الناس حين يهجرون مُثٌلهٌم العليا جانبا … الخ ))

………و حبهم للرياضة و لعبة كرة القدم بشكل خاص !………..

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى