يوميات عائلية (2):
مشى في الطريق من غير هدى، يشق قلب الظلمة في أحشاء الليل، كانت الأفكار تشّرق به وتغرّب، لماذا أضحت حياته معها على خلاف، مشاجرات تافهة لم يكن يدري كيف بدأت وما سببها، كان يمكن أن تزول.. هذه أشياء عادية تحدث في حياة كل زوجين، إنها ملح الطعام لا بدّ منها في كل بيت، وكان عليهما أن يأخذا جرعة من الصبر.
وبينما هو يتصارع مع أفكاره وقعت عيناه على فتاة كان يحبها في شبابه! تسمّرت نظراته . يا سبحان الله بعد أكثر من عشرين عاماً .. كم حلم بها كم بكى لأجلها؟ كم أنفق من الدموع لفراقها؟ كم أحبها؟ كم زاره طيفها؟ كم تعذب بسببها؟ كم اشتاق إليها ؟ كم كتم أشواقه وحبه؟ لا يستطيع أن يستعيد كل ما حصل معه في تلك اللحظات .. شيء لا يقاوم في حناياه، إنه الحنين لذكريات زمن ولّى، وأيام أورقت حباً وأشواقاً ..لم يعد يدري هل عاد إلى الماضي أو أن الماضي عاد إليه ؟ وتساءل ما الذي جمعه بها بعد هذا الزمن الطويل؟!
التقت عيناهما بعد غياب طويل .. كانت تغض طرفها بسرعة ..يا الله لقد احمرّ وجهها حياء كما عهدها .. قفز قلبه من صدره يريد اللحاق بها ! أمعن النظر إليها .. لقد ترهلّت وكبرت .. لم تعد الغزالة الرشيقة التي عرفها ..إنه الزمن يأخذ كل الأشياء، الأعمار والشباب .. اقترب منها صافحها، سمع دقات قلبه تختلط بنبض يدها المطبقة على يده! قرأ أفكارها التي تقول : إنه لم يعد ذلك الشاب الوسيم الرشيق الذي عرفته.. إنه حكم الزمن ..لم يعد يملك أمامها إلا الصمت ،كأنه الفراغ الذي يتخلل السطور ،تلك اللغة التي يلجأ إليها الإنسان حين تعوزه لغة التعبير بحروف الأبجدية.. يستمعان إلى حديث لغة العيون .. كانت تدور في رأس كل منهما آلاف الصور والذكريات..أكوام من الأخبار تناقلتها العيون والشفاه بالتفصيل..الحروف ساخنة والكلمات ملتهبة لدرجة الاشتعال.. تحدثا عن الأولاد .. وما جرى خلال تلك السنوات باختصار شديد.
ودّعها متمنياً لها التوفيق في حياتها ، وتمنت له هي كذلك ، جرّ قدميه إلى المنزل وهو يحسّ أنه راضٍ عن زوجته ! قرع الباب ، استقبلته زوجته ، ابتسم في وجهها، قالت له مبتسمة : تقبرني .. ما في أحلى منك.. تطلع على قبري !! عانقها وقبّلها ودموع الفرح في عينيه قائلاً: أنت جميلة ، على الرغم مما تقوله لك المرآة، فقلبك لا يعرف الحقد والكراهية ، وابتسامتك جردتني من جميع مشاكل الحياة ،فقد أدمنت حبك!