إسرائيل تراقب بقلق تطوّر العلاقة المصرية ـ الروسية (حلمي موسى)

 
حلمي موسى 

في الوقت الذي لم تخف فيه إسرائيل امتعاضها من الاهتزاز الذي أصاب العلاقات الأميركية – المصرية مؤخراً، صارت تتابع باهتمام وقلق تطورات العلاقة بين مصر وروسيا. وتوج العنوان الرئيس لصحيفة «معاريف»، وهو «الدب الروسي يعود إلى الشرق الأوسط»، ذروة الإفصاح عن هذا الاهتمام في إسرائيل. واعتبرت الصحيفة أن تضعضع العلاقات المصرية الأميركية دفع روسيا إلى محاولة ملء الفراغ، برغم أن موقفها من إسرائيل ليس هو ذاته موقف الاتحاد السوفياتي سابقاً.
وتستذكر الصحيفة العلاقات السوفياتية المصرية، التي فتحت في منتصف الخمسينيات الباب للنفوذ السوفياتي في المنطقة العربية أولاً عبر صفقات السلاح ثم عبر تمويل السد العالي، ومشاريع حيوية أخرى وأثر ذلك في إسرائيل. ونقلت عن خبراء قولهم إنه لا يبدو أن الروس في وارد العودة لممارسة ذلك الدور أو أنهم أصلاً قادرون عليه، لكنهم في الوقت ذاته مصممون على تعزيز مكانتهم في المنطقة ودفع ثمن مقابل ذلك.
واعتبرت «معاريف» أن موسكو تعيش في هذه اللحظة «ذروة عملية شاملة ترمي لاعادة ترسيخ مكانتها في الشرق الاوسط، والمحور المركزي الذي يلوح في الافق للمناورة السياسية الروسية هي مصر». ولاحظت أن البعد المهم الجديد هو إعلان واشنطن تجميد المساعدة العسكرية لمصر لعدم رضاها من اجراءات الحكم العسكري ضد جماعة «الإخوان المسلمين». وتعتبر إدارة الرئيس الأميركي باراك اوباما أن هذه الاجراءات تتناقض مع أسس الديموقراطية التي تأمل أن تقوم في مصر.
لكن ليس هذا كل شيء بل هناك اعتقاد بأنه يضاف الى ذلك، النجاح الروسي في سوريا، حيث تحولت مبادرة الكرملين الى تسوية بين الولايات المتحدة ونظام الرئيس السوري بشار الاسد في مسألة السلاح الكيميائي، والتي صعد بعدها نجم موسكو في المنطقة على حساب واشنطن وشجع الروس على السعي بقوة أكبر لإعادة ترميم مكانتهم التاريخية في الشرق الاوسط.
وذكرت الصحيفة أن الروس يجدون في كلام وزير الخارجية المصري نبيل فهمي عن «الهزة» التي تعيشها علاقات بلاده مع أميركا تشجيعاً لتوجههم. ومن المقرر أن يصل إلى القاهرة مطلع الشهر المقبل وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف وقد يتبعه في زيارة العاصمة المصرية الرئيس الروسي فلاديمير بوتين نفسه.
وأوضحت «معاريف» أن سيرغي فرشنين، وهو مدير قسم الشرق الاوسط في وزارة الخارجية الروسية، تناول في اللقاءات التي اجراها هذا الاسبوع في اسرائيل تجميد المساعدات الاميركية لمصر، وأعرب عن تخوف عميق من أنه اذا لم يتلق المصريون المال من مصادر بديلة فإن الوضع الاقتصادي المتهالك في الدولة سيتدهور أكثر فأكثر، ويؤدي الى عدم استقرار.
وأكد فرشنين لمحادثيه الاسرائيليين أن وزير الخارجية لافروف سيصل بالفعل الى القاهرة قريباً، بل تحدث عن أن روسيا تعتزم العمل على تطوير تعاونها مع مصر. ومع ذلك شدد على أن موسكو تفهم انها لن تتمكن من استعادة شدة الدعم، الذي منحه في حينه الاتحاد السوفياتي لمصر. وقال في محادثات أجراها مع وزرائه الاسرائيليين «لن نعود الى الايام التي بنينا فيها سد أسوان».
وتناول فرشنين في محادثاته في اسرائيل أيضاً الموضوع السوري. وبتقديره ليس واضحاً على الاطلاق أن يتمكن الأميركيون من أن يجلبوا الى المؤتمر المخطط له في جنيف مندوبي المعارضة السورية المتنازعة، بهدف التفاوض مع مندوبي الاسد على تسوية تؤدي لوقف العنف. وقدر أن الموعد المخطط له للمؤتمر، في بداية تشرين الثاني سيتأجل. وفي مسألة المصير الشخصي للأسد، فاجأ فرشنين مضيفيه حين قال علناً إن المسألة ليست مثابة خط أحمر بالنسبة للروس، ولا تشكل الاساس من ناحيتهم.
عموماً، ومع تخوفات تل أبيب من عودة روسيا الى الساحة بكل الزخم، أوضح الروس بأن مجالاً واحداً على الاقل لن يتضرر، وهو التعاون الاقتصادي الذي يولوه اهمية. وكان بوتين نفسه طرح هذا الموضوع في لقائه مع نتنياهو في سوتشي في شهر أيار الماضي. ومن المتوقع لرئيس الوزراء أن يفتتح مؤتمراً اقتصادياً مشتركاً للدولتين يعقد في كانون الاول المقبل.
واعتبر السفير الإسرائيلي السابق في موسكو تسفي ماجين أن روسيا تخوض معركة بقاء في المنطقة بدأت مع بداية ثورات «الربيع العربي»، حيث تدافع موسكو بشكل يائس عن المحور المعادي للغرب في المنطقة، وهو «محور الشر» ويضم إيران وسوريا و«حزب الله». وأوضح أن روسيا استغلت الأزمة في سوريا للمواجهة المركزية مع الغرب عبر منعه من التدخل هناك من جهة، وسعيها لبلورة حلول سياسية.
وتعتبر الموافقة الغربية على مؤتمر جنيف قمة نجاح الديبلوماسية الروسية. لكن روسيا لم تكتف بإدارة ديبلوماسية الحوار، بل استخدمت أيضاً ديبلوماسية العناد عبر وقوفها إلى جانب النظام السوري بقوة في المحافل الدولية من ناحية، واستعدادها لتقديم السلاح المتطور من طراز «اس 300» لإيران.
ومن الجائز أن اندفاع إيران للحوار مع الغرب من دون وساطة روسية يشجع روسيا على محاولة اجتذاب مصر كدولة ذات الثقل الأهم في المنطقة العربية وأيضاً مع الدول الخليجية. وتستغل روسيا في ذلك الإحساس المتزايد في العالم بأن أميركا تفقد مكانتها على الصعيد الدولي ولو بالتدريج. لكن روسيا، خلافاً للماضي، لا ترى في إسرائيل دولة هامشية وتطمح لمواصلة التعاون معها.

صحيفة السفير اللبنانية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى