التطرف بين الإسلاميين والعلمانيين ( نضال سعد الدين قوشحة)

 نضال سعد الدين قوشحة

 

منذ عقود بدأ السجال بين قوى الحراك الفكري والسياسي في الوطن العربي ، وكان مشحونا غالبا ، بالخشية من قوى التطرف الإسلامي ، التي لا يمكن معها ، كما كان يقول العلمانيون من يساريين وليبراليين وسواهم ، من إعمال لغة الحوار أو الديمقراطية ، بحجة أن الفكر السياسي الإسلامي سلفي جامد لا يقبل التطور إضافة إلى أنه يقوم على إلغاء الآخر .
لو نظرنا إلى الخارطة السياسية  لمعظم الدول العربية خلال فترة الأربعين عاما الماضية ، لوجدنا أن الأحزاب اليسارية هي التي تسيطر على الحكم في معظمها ، – الجمهوريات على الأقل – ومن خلال المزيد من البحث والتقصي العلمي المجرد في تجاربها ، خاصة في سورية ومصر والعراق واليمن لوجدنا أنها ، أي الأحزاب اليسارية تلك ، قد أرتكبت كل الموبقات التي كانت تتهم بها التيار الإسلامي وأحزابه اليمينية المتشددة . فلو انطلقنا من هذا التعميم نحو عمق الموضوع ، لوجدنا أن أصل المشكلة يكمن في التطرف الذي يحمله أتباع كل من الطرفين ، فلا شك أن في العلمانيين معتدلون يؤمنون بفكرة التعايش مع الآخر ، مهما اختلف معهم بالرأي والعقيدة ، وكذلك فإن في الحركات الإسلامية ، إناس معتدلون يحملون في فكرهم صيغا متجددة لمفاهيم الدولة والمواطنة والشورى وغيرها من المفاهيم التي يعتمد عليها فكر الإسلام السياسي . لكن المشكلة الكبرى تكمن حقيقة في المتطرفين من الجانبين ، الذي يريد كل منهما إلغاء الآخر . فأحد أباطرة الليبرالية في الوطن العربي ومصر ( علي سالم ) يصرح علنا ، أنه مع الديمقراطية والانتخابات ، شريطة ألا تأتي بالإسلاميين إلى الحكم ، وأحد مدعي المشيخة  المتشددين ، يقيم دعوى تفريق على مفكر مصري هام ، هو نصر حامد أبو زيد ويطالب بتطليق زوجته منه ، ويتهمه بالردة ، ثم يهدر دمه ، لأنه قال آراء تناقض فهمه ، والبلية أنه أقر بأنه لم يقرأ الكتاب بل سمع عنه .
المشكلة إذا تكمن في التطرف ، مهما كان شكله ، ولونه وإتجاهه . وفي كل فريق هنالك متطرفون ومعتدلون ، ومن الخطأ الحديث عن متطرفين في جانب التيار الإسلامي وحده . لأن في العلمانيين متطرفون أكثر قسوة وهمجية من الإسلاميين . ألم يقلها يوما نصر حامد أبو زيد في صحفية سورية ، بأن العلمانيين أكثر تطرفا من الإسلاميين .
والأمثلة هنا كثيرة ، شخصيا ، كنت أعرف مناضلا قديما سوريا ، ينتمي للحزب الشيوعي ، وكانت بيئته دينية محافظة ، ولكنه خرج وأنشق عليها ، فما كان من والده وهو رجل بسيط غير مثقف ،  إلا أن زجره وقاومه بشدة ، ولكن الابن ظل على عهده وصار أحد أقطاب تياره السياسي ، وكثيرا ما تغنى هذا المناضل بتاريخه الذي قاوم فيه سطوة الأب وتخلفه الفكري كما كان يقول بالحرف ، ولكن الأيام حملت مفاجأة من العيار الثقيل لهذا المناضل ، تمثلت بأن ابنه ، بعد حوالي الأربعين عاما ، قد أنشق عنه مجددا ، وعاد للبيئة الدينية ، التي رفضها الأب ، وهنا بيت القصيد ، فالمناضل الآن هو مثقف ثوري ومناضل سياسي كبير وصاحب مكانة حزبية مرموقة ، بخلاف والده الذي كان من صغار الكسبة غير المتعلم . كل هذه الأمور ، لم تمنع هذا المناضل من التعامل مع أبنه بالطريقة نفسها التي تعامل بها أبوه معه . فحرمه من المصروف ، بل وانقطع عن دفع نفقات دراسته الجامعية، وكثيرا ما قاوم بالعنف النفسي توجه ابنه الديني ، إلى أن قالها ذات مرة بوضوح : الفكر الديني في بيتي خط أحمر ، ومرفوض . حتى لو كان من ابني .
واضح تماما أن المناضل كان يدعي أشياء لا يؤمن بها ، وكان يعترض على تصرفات  فعلها ، وهي بحكم عقيدته ، أفكار رجعية متخلفة وفيها تطرف .
طبعا هذه الحادثة الشخصية البسيطة كانت ستبقى كذلك ، لولا تكررها ، لدرجة صارت معها سمة بارزة في سلوك هؤلاء .
عندما يتمترس الإنسان في فكره ولا يخرج عنه ، ويسخف الفكر الآخر ، سيكون بالتالي متطرفا ، ولن يقبل التعايش مع هذا الآخر ، وهذا للأسف نمط تفكير ، موجود في كل المذاهب والتيارات الفكرية من يسارها إلى أقصى اليمين . وليس من حل للخروج من هذا المطب سوى بالحراك الداخلي الفعال في كل قوى هذا الحراك، لإزاحة هؤلاء القادة ، عن مفاصل صنع القرار في كياناتهم السياسية , واعتماد مبدأ المؤسساتية ، بغية الوصول بفكر مرن متصالح مع نفسه أولا ثم مع غيره وصولا إلى إيجاد لغة موحدة أو متقاربة مع الغير ، وبالتالي لإيجاد نظم فكرية وسياسية تقبل التعدد والإختلاف ، وهذه كله في مصلحة أوطاننا بالتأكيد .

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى