الجيش يموِّه في الريف الحلبي ويهاجم حندرات

أصبح معلوماً أن الريف الحلبي سيكون هو البؤرة التي سينصبّ عليها التصعيد العسكري المرتقب بشدة منذ خرق الهدنة من قبل الفصائل، والتهديد بالرد عليها من قبل الجيش السوري. ولكن ما زالت أشكال وأحجام هذا التصعيد غير واضحة، خصوصاً في ظل التحشيدات الكبيرة التي تشهدها المنطقة من قبل جميع الأطراف، وفي ظل المعارك العديدة التي تندلع بين ساعة وأخرى على محاور مختلفة.

في هذه الأثناء، اتضح مصير مئات العمال الذين فُقد الاتصال بهم بعد المعارك التي حصلت في محيط مدينة الضمير بريف دمشق. وبالرغم من أن بعضهم استشهد، وبعضهم الآخر الذي يُقدّر بحوالي 20 ما زال مخطوفاً، إلا أن قصتهم انتهت بسيناريو غير متوقع، لأن غالبيتهم وصلوا إلى منطقة آمنة بعد الإفراج عنهم من قبل تنظيم «داعش».

وأكد التنظيم أنه أعدم أربعة من العمال الذين كانوا مختطفين لديه بسبب انتمائهم إلى المذهب الدرزي، من دون أن يشير إلى طريقة الإعدام التي اتبعها، وذلك وفق ما جاء في خبر صادر عن وكالة «أعماق» التابعة له، مؤكداً أنه سيستمر باحتجاز 20 عاملاً بسبب ثبوت انتمائهم إلى «ميليشيا اللجان الشعبية»، مشيراً إلى أنه أطلق سراح حوالي 300 عامل ممن تم إيقافهم في المعمل الصيني، وأنه تم نقلهم إلى منطقة آمنة بحسب قوله من دون أن يحددها.

وترجم الجيش السوري، أمس، مضمون البيان الأول الذي صدر عن غرفة العمليات المشتركة، والذي أكد أن «أبواب جهنم» ستفتح على «جبهة النصرة ومن معها»، وأن «الهدف هو تحرير حلب وريفيها الغربي والجنوبي».

وشنّ الجيش، بالاشتراك مع حلفائه وعلى رأسهم «لواء القدس»، هجوماً مفاجئاً على مخيم حندرات في ريف حلب الشمالي، وذلك في خطوة من شأنها أن تحقق نتائج مختلفة، حتى لو لم تؤد إلى أي تقدم ميداني على الأرض. لأن الهجوم على حندرات جاء بعد أيام من تحشيد الجيش السوري باتجاه بلدة العيس وتلّتها اللتين سيطرت عليهما «جبهة النصرة» مؤخراً، وبذلك فهو يموّه على الهدف الحقيقي الذي سيضربه أولاً، كما يُجبر الفصائل المسلحة على اتخاذ احتياطاتها في أكثر من جبهة، ما سيؤدي إلى تشتيت قواها. وهذا التشتيت يُعدّ هدفاً ثميناً في ظل التطورات الحساسة التي يمر بها الريف الحلبي، فكيف إذا كان مخيم حندرات الذي اختاره الجيش ليكون وجهته الأولى، يحتلّ موقعاً استراتيجياً من شأن السيطرة عليه أن تقطع الشريان الوحيد الذي يصل إلى الأحياء الشرقية في حلب الواقعة تحت سيطرة الفصائل المسلحة. لا شك أن الأخيرة لن يكون بإمكانها الاستخفاف بالأمر، وسيتوجب عليها التعامل معه بأعلى درجات الجدية.

ويقع مخيم حندرات في عمق مناطق سيطرة الجيش في ريف حلب الشمالي، حيث تحاصره قوات الجيش من ثلاث جهات، الشمال والغرب والشرق. وهو لا يبعد عن سجن حلب المركزي سوى بضعة كيلومترات. لكن أهميته تأتي من إشرافه على طريق كاستيلو الذي يُعتبر حالياً بمثابة خط الإمداد الوحيد للفصائل المسلحة المتمركزة في أحياء حلب الشرقية. وقد أشارت الأنباء الأولية إلى أن الجيش السوري، بالاشتراك مع «لواء القدس»، تمكن من السيطرة على منطقة المعامل المحاذية للمخيم من جهة الشرق، والتقدم كذلك نحو منطقة مقطع الشاهر على أطراف المخيم، غير أن الاشتباكات ما تزال مستمرة. وقد ذكرت بعض المصادر الإعلامية التابعة للفصائل المسلحة أنها تمكنت من استعادة السيطرة على بعض النقاط التي تقدم إليها الجيش من دون تحديدها.

كذلك فإن الهجوم الذي شنّه الجيش، فجر أمس، على مخيم حندرات، جاء بعد حوالي أسبوع من الاشتباكات بين «جبهة النصرة» وحلفائها من جهة وبين «وحدات حماية الشعب» الكردية من جهة ثانية، في حي الشيخ مقصود. وليس من قبيل المصادفة أن «وحدات الحماية» تضع نصب عينيها ضرورة إغلاق طريق كاستيلو لقطع الإمداد عن خصومها داخل المدينة. وبذلك تتلاقى من جديد الأهداف العسكرية بين الجيش السوري وبين الوحدات الكردية، ليجدا نفسيهما مضطرين إلى العمل مع بعضهما، سواء كان هناك تنسيق أم لم يكن، لأن الحقائق التي يفرضها الميدان أقوى من أي اعتبارات أخرى.

وبكافة الأحوال فإن فتح جبهة حندرات وحي الشيخ مقصود من شأنهما وضع الفصائل المسلحة بين فكي كماشة، ويؤديان إلى التضييق عليها بشكل كبير. وقد كان مثل هذا التلاقي حصل عدة مرات في السابق، كان آخرها عندما استغلت «الوحدات» تقدم الجيش في ريف حلب الشمالي وفك الحصار عن نبّل والزهراء، كي تتقدم بدورها وتسيطر على العديد من البلدات والقرى، أهمها تل رفعت ومنغ.

لكن هجوم الجيش على مخيم حندرات، لا يعني أن وجهة تحركاته قد اتضحت، إذ ما زال يستقدم الحشود إلى ريف حلب الجنوبي من أجل استعادة العيس بلدة وتلةً، من دون التوقف عندهما هذه المرة. ويكتفي الجيش السوري منذ أكثر من 48 ساعة بعمليات القصف التمهيدي على المنطقة مع استكمال عمليات الرصد الدقيق للحصول على معلومات موثقة بخصوص أعداد المسلحين على تلة العيس ونوعية عتادهم وماهية التحصينات التي سيعتمدون عليها في المعركة المرتقبة.

كذلك فإن الجيش ينظر بريبة إلى تقدم الفصائل المسلحة على الشريط الحدودي مع تركيا. حيث سيطرت هذه الفصائل، أمس الأول، بدعم أميركي ـ تركي على بلدة الراعي الإستراتيجية التي من شأنها أن تضعهم تقريباً على مشارف ريف مدينة الباب، المعقل الرئيسي لتنظيم «داعش» في ريف حلب الشرقي، وهو ما يعني أن على الجيش، الذي يقف بدوره على مشارف الباب من جهة الجنوب، أن يتحضر بجدية، لأن السباق نحو المدينة قد ينطلق في أي وقت.

صحيفة السفير اللبنانية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى