القنبلة النوويّة «المستحيلة» بين طهران وتل أبيب

الأرجح أن الولايات المتحدة خسرت رهانها النووي مع إيران، ورضيت بتأجيل قدرة إيران على إنتاج سلاح نووي إلى مستقبل ليس ببعيد. هناك دول معلنة في قدرتها على إنتاج سلاح نووي (أميركا، بريطانيا، فرنسا، روسيا، الصين، الهند والباكستان)، فيما تمتلك إسرائيل وكوريا الشماليّة قنابل ذريّة بصورة غير معلنة. وهناك دول تستطيع إنتاج سلاح نووي، كالبرازيل وهولندا وألمانيا، لكنها تكتفي بعمليات تخصيب متطوّرة، بل أن اليابان تخصّب اليورانيوم إلى مستوى يكفل صناعة قنبلة نوويّة، ما يجعلها قادرة على تجميع مكوّنات سلاح نووي في أيام قليلة، وهو شأن مهم مع الصعود المستمر لأهمية الصين ومنطقة المحيط الهادئ – جنوب شرقي آسيا.

وتبدو السياسة الأميركيّة حول البرنامج النووي الإيراني متناقضة، ربما لأنها تدرك أن عملاً عسكريّاً أساسيّاً ضد المنشآت الذريّة في إيران سيكون فاجعة عسكريّاً وسياسيّاً. وينطبق وصف مماثل على إيران نفسها التي يتوجب عليها الاكتفاء بحماية منشآتها النوويّة وتجنّب المواجهة العسكرية، مع الوصول إلى تسوية حول تخصيب اليورانيوم تبقي عملياته بعيدة عن انتاج سلاح ذري هو بالتعريف غير قابل للاستعمال.

سهولة القنابل

على رغم أن تصميم سلاح نووي يتطلب خبراء في علوم المعادن والكيمياء والفيزياء والإلكترونيّات والمتفجرات، فإن التكنولوجيا المطلوبة ترجع إلى حقبة الأربعينات من القرن العشرين، كما أن المفاهيم الفيزيائية الأساسيّة لتلك العلمية معروفة على نطاق واسع منذ بضعة عقود.

واستطراداً، تهيّيء المناهج الجامعية في الفيزياء والهندسة الذريّة قاعدة علميّة أساسيّة تستطيع التعامل مع المستوى العلمي للسلاح النوويّ. وكذلك تساهم الاستعانة بخبراء أجانب تكون لهم دراية متمرّسة في التصاميم النوويّة، في تعجيل برامج صنع الأسلحة النوويّة.

هناك تجربة طريّة في الذاكرة عن مسألة شيوع المعارف المتعلّقة بالذّرة في الأزمنة المعاصرة، خصوصاً بفضل الانترنت. ففي سياق منازعتها المديدة مع نظام صدام حسين، نشرت الإدارة الأميركيّة على الانترنت 11 صفحة من وثائق عراقيّة تضمن تفاصيل عن صناعة قنبلة نوويّة، كي تثبت للعالم رغبة صدام حسين في بناء برنامج للتسلح النووي. وسرعان ما جرى التنبّه إلى أن تلك التفاصيل ربما ساعدت إرهابيين على صنع سلاح نووي، ما دفع الإدارة الأميركية إلى سحب تلك الوثائق من الإنترنت. وفي سياق مماثل، استطاع الخبير النووي قدير خان إيصال معلومات ذريّة حسّاسة إلى مجموعة من الدول.

وبديهي أن أكبر المخاوف لدى مسؤولي محاربة الإرهاب الأميركيين، يتمثّل في إمكان حصول جماعات إرهابيّة مسلّحة على سلاح نووي وتفجيره في مدينة أميركيّة. وفي المعطيات المعاصرة، إذا حصل مهندس نووي متمرّس على كمية من المواد المخصّبة، فإنه يستطيع صنع قنبلة ذريّة بدائيّة تشبه تلك القنبلة الأميركيّة التي ألقيت على مدينة «هيروشيما» اليابانيّة في اختتام الحرب العالمية الثانية.

في سياق متّصل، في ثمانينات القرن العشرين، نشر طالب في «جامعة هارفرد» مقالاً في مجلة «مازر جونز» Mother Jones الأميركيّة تضمن تخطيطاً تفصيليا عما يمكن أن يكون قنبلة نوويّة، ما أثار نقاشات وخيالات، تحوّل بعضها أشرطة سينمائيّة في هوليوود.

خبرة مدنية… خبرة عسكريّة

لا بد من التشديد على أن مجرد توافر المعارف والمعلومات لا يكفي لامتلاك التقنية وأدواتها، بل يستلزم الأمر بنيّة صناعية ملائمة، إضافة إلى موارد أخرى متنوّعة. وينطبق ذلك الوصف على الذرّة كما على مجموعة من التقنيّات المعاصرة.

فمنذ مطلع القرن المنصرم، تتوافر المعارف والمعلومات عن تقنيات تشمل السيارات والطائرات والسفن والقطارات وغيرها. وهناك بلدان كثيرة لا تزال عاجزة عن صنعها بمجهودها الوطني وحده. وفي ذلك المعنى، تعطي الخبرة والبنية الأساسيّة في برامج البحوث النوويّة المدنية ومفاعلاتها ومحطات توليد الكهرباء منها، فائدة عظيمة لبرامج صنع الأسلحة النوويّة. ومثلاً، تطابق التكنولوجيا المستخدمة في تطوير دورة الوقود النووي في المفاعلات الذريّة ذات الاستخدام المدني، مع تلك المستعملة في إنتاج مواد قابلة للانشطار يمكن أن تكون نواة لسلاح نووي.

وتشمل الخبرات والمعارف التي تتأتى من التعامل مع البرامج المدنيّة في الطاقة الذريّة، تقنيّات التعامل مع المواد المُشعّة، والإلمام بالعمليات الكيمياويّة المتعلقة بالتراكيب الذريّة وهندستها، وتصميم المفاعلات، ومسارات التخصيب، ونُظُم التحكّم الإلكترونيّة وطُرُق تشغيلها وغيرها.

ومن شأن تلك الخبرة أن تهيّء قاعدة تكنولوجية يمكن أن يُعتمد عليها لتنفيذ برنامج للأسلحة النوويّة.

هناك مسألة أخرى برزت بعد نهاية الحرب الباردة، خصوصاً بعيد انهيار الاتحاد السوفياتي. فوفقاً لتقارير وزارة الخارجية الأميركيّة، هناك عشرات من العلماء الروس المرموقين الذين يحتمل أن يكونوا قادرين على إدارة مناحٍ بالغة الأهمية في برنامج للتسلّح الذريّ لبلد خارج المعسكر الغربي. ويضاف إلى أولئك العلماء، مئات من التقنيين المتمرسين في التعامل مع الذرّة وطاقاتها.

وهناك تقارير تفيد بأن عدة عشرات من العلماء النوويين الذين كانوا في الاتحاد السوفياتي السابق ربما يعملون في إيران، إضافة إلى عشرات آخرين ربما دخلوا بلدان أخرى في الشــرق الأوسط. في المقابل، ثمة شبه إجماع على غياب الدليل القاطع على نجاح أي محـاولة لاستئجار مصممين حقيقيّين للأسلحة النوويّة.

صحيفة الحياة اللندنية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى