المحللون السياسيون يقيِّمون احتمال نشوب حرب نووية مع كوريا الشمالية

تطرقت صحيفة “إيزفيستيا” إلى احتمال نشوب حرب نووية في شبه الجزيرة الكورية؛ مشيرة إلى تأكيد الخبراء الروس والأمريكيين والصينيين إمكانية تجنب الكارثة.

جاء في المقال:

يستفحل الوضع في شبه الجزيرة الكورية إلى درجة أن الخبراء والسياسيين بدأوا الحديث بجدية عن احتمال نشوب حرب تستخدم فيها الأسلحة النووية. والأدلة على ذلك مهمة: التجارب الصاروخية، العرض العسكري في بيونغ يانغ، تصريحات زعيم كوريا الشمالية عن استعداد بلاده لهذه الحرب، الأحاديث المتداولة في واشنطن عن ضربة استباقية لكوريا الشمالية، المدمرات الأمريكية على مقربة من شبه الجزيرة وغيرها من الأخبار المقلقة.

ولقد شكلت الضربة الصاروخية الأمريكية لقاعدة الشعيرات الجوية في سوريا زناد الإطلاق لموجة جديدة من التوتر حول جمهورية كوريا الديمقراطية الشعبية، حيث استعرض الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ميله إلى اتخاذ خطوات حادة، وأكد أنه سئم من التبجح النووي الكوري الشمالي، وأن توجيه ضربة وقائية إلى هذا البلد هو سيناريو حقيقي.

جيمس شير، الباحث العلمي في المعهد الملكي (البريطاني) للعلاقات الدولية (تشاثام هاوس)، أوضح للصحيفة أن الضربة الأمريكية لسوريا في الشعيرات لم تكن “رسالة” موجهة إلى موسكو ودمشق فقط، بل وإشارة إلى بيونغ يانغ وبكين.

ويعتقد معظم الخبراء أن التصعيد في شبه الجزيرة الكورية وصل الى مستوى غير مسبوق منذ نهاية الحرب بين بيونغ يانغ وسيئول في عام 1953. ولكن، قبل التنبؤ بجولة جديدة من الصراع هناك، من الضروري استيضاح ما هو منها تهديد حقيقي، وما هو عبارات خطابية جوفاء لمحاولة ممارسة الضغوط.

أما ريتشارد وايتس، المحلل السياسي الأمريكي، مدير مركز التحليل السياسي-العسكري في معهد هدسون، فأكد للصحيفة أن احتمال وقوع مواجهة عسكرية مفتوحة في شبه الجزيرة ليس عاليا، وذلك للأسباب التالية: أولا، الولايات المتحدة تفتقر إلى خطة مفصلة وشاملة لحل المشكلة بالوسائل العسكرية، وثانيا، استفادت بيونغ يانغ من الإبطاء، وعززت قدراتها النووية والصاروخية.

وأوضح الخبير أن “معلومات تسربت حتى إلى وسائل الإعلام الأميركية، تفيد بأن إدارة ترامب تسلَّم باحتمال نصب أسلحة نووية في كوريا الجنوبية، وإطاحة الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون بالقوة. وكان الهدف من نشر هذه الأخبار في وسائل الإعلام ممارسة الضغط على الزعيم الصيني شي جين بينغ، الذي كان في واشنطن في هذه الأثناء. وكانت الولايات المتحدة تهدف بذلك إلى حث بكين على المساعدة في لجم الطموحات الصاروخية والنووية لدى بيونغ يانغ. وإضافة إلى ذلك، تطمح كوريا الجنوبية من جانبها إلى تجنب النزاع، الذي إذا نشب فسيكون ذلك في وقت غير ملائم لانتخاب رئيس جديد في سيئول”، – كما أوضح وايتس.

ويعتقد الخبير أن الخطوات الروسية–الأمريكية قادرة على تخفيف التوتر في شبه الجزيرة الكورية، ولا سيما أن إمكانات كثيرة في العلاقات الروسية-الأمريكية لم تستخدم للتعاون في الاتجاه الكوري.
بدوره أيضا، أعرب رئيس الجامعة الأمريكية في موسكو إدوارد لوزانسكي للصحيفة عن شكه في إمكانية توجيه ضربة أمريكية إلى كوريا الشمالية؛ معللا ذلك بأن هذا الأمر يتطلب من ترامب الحصول على موافقة النخبة السياسية في البلاد.

وقال لوزانسكي: أخذا بعين الاعتبار موقف الصين في تطورٍ مثل هذا للأحداث، فإن الكونغرس لن يوافق على الأرجح على مثل هذا الهجوم. ورأى لوزانسكي أن الحل الأكثر منطقية هو توقيع معاهدة سلام بين الشمال والجنوب.
أما في الصين، فيعتقد الخبراء أن الوضع في شبه الجزيرة الكورية خطير للغاية. ومع ذلك، فإن تجنب الاصطدام لا يزال ممكنا. وأكد كبير الباحثين العلميين، رئيس القطاع الروسي في مركز دراسات مشكلات التنمية البروفيسور شين شيليان أن “احتمال نشوب الصراع هذه المرة أكبر من أي وقت مضى”. ومع ذلك، فإن الولايات المتحدة حتى الآن لا تجرؤ على “توجيه ضربة مركزة ضد كوريا الشمالية”.

ويقول شين شيليان إن “بكين تسعى لإقناع بيونغ يانغ بالتخلي عن سياسة المواجهة وقدمت إليها مساعدات اقتصادية، ولكن النتيجة كانت: إننا سببنا لأنفسنا الكثير من المتاعب، التي لا جدوى منها، وبقي كلا الطرفين الكوري الشمالي والأمريكي غير راضٍ عن الصين.
ويرى البروفيسور الصيني أن أهم شيء بالنسبة إلى روسيا والصين في الوقت الراهن، هو إقناع كيم جون أون بالعودة إلى المفاوضات، ولكن لا يوجد ضمان بأنه سيصغي إلينا.

كذلك، يعتقد مدير مركز روسيا وآسيا الوسطى في جامعة فودان، البروفيسور تشاو هواشنغ يعتقد أن روسيا والصين هما القادرتان فقط على “منع الحرب” في المنطقة.
ويقول إن ظروف الحرب متوفرة، ولكن تجنبها لا يزال ممكنا. جيشا كلا الجانبين يقفان في حالة تأهب عسكري ويخيم عليهما ارتياب سياسي كبير.

في حين أن رئيس معهد الولايات المتحدة وكندا لدى الاكاديمية العلمية الروسية فاليري غاربوزوف أعرب عن ثقته بأن تهديدات واشنطن ضد بيونغ يانغ هي مجرد استعراض للترويع، لأن أي رئيس أمريكي لم يتجرأ حتى الآن على توجيه ضربة إلى كوريا الشمالية.

وأشار إلى أن “مقارنة كوريا الشمالية بسوريا ليست صحيحة تماما. فدمشق لا تملك إمكانية للرد في الوقت الراهن، ولكن بيونغ يانغ قادرة على الرد العسكري. وعلاوة على ذلك، لا أحد يعرف أي ترسانة نووية لدى كوريا الشمالية. وكل المؤشرات مبنية على تقييمات من الخارج. وفي الولايات المتحدة يفهمون أن أي ضربة توجه إلى كوريا الشمالية، سوف تفجر المنطقة بأسرها، – كما ذكر الخبير الروسي غاربوزوف.

هذا، وتتفق آراء الخبراء على أن احتمال نشوب الحرب اليوم في شبه الجزيرة الكورية أعلى مما كان عليه الأمر بالفعل على مدى الأعوام الستين الماضية. وأن هذا الوضع يتطلب حلا سياسيا ودبلوماسيا سريعا.

بيد أن الخبراء يعتقدون أن توجيه الولايات المتحدة ضربة وقائية إلى كوريا الشمالية أمر بعيد الاحتمال بسبب مخاطر الصراع النووي، الذي قد تنجم عنه.

روسيا اليوم

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى