بوتين يخرج عن صمته.. لماذا الآن؟ (هاني شادي)

 

هاني شادي

خرج الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، يوم السبت الماضي عن صمته بشأن الوضع المحيط بسوريا والتهديدات الأميركية بتوجيه ضربات عسكرية للنظام السوري، ليرسل رسائل عدة لنظيره الأميركي باراك أوباما. إحدى هذه الرسائل حملت طابعا «اخلاقيا»، عندما ذكر أوباما بأنه حاصل على جائزة «نوبل» للسلام، وأن أي عمل عسكري ضد سوريا سيخلف ضحايا، بينهم مدنيون. أما الرسائل الأخرى، فكانت سياسية بامتياز، حيث دعا بوتين واشنطن لتقديم أدلتها، إذا كانت لديها أدلة فعلا، على استخدام السلاح الكيميائي من قبل الجيش السوري الى محققي الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي. وأشار بوتين إلى أن اتهام الحكومة السورية بالقيام بهذا الفعل عبارة عن «هراء ولا يتفق مع أي منطق»، قائلا: «إن الحديث عن وجود أدلة، لكنها سرية ولا يستطيعون تقديمها لأحد، أمر لا يستحق التعليق عليه… إنه عدم احترام للحلفاء وللأطراف الدولية الأخرى». وأضاف بوتين «ان الحديث عن رصد مكالمات معينة لا يثبت شيئا ولا يمكن أن يكون مسوغا لقرارات أساسية كاستعمال القوة بحق دولة ذات سيادة». وأوضح الرئيس الروسي أن الكرملين يفهم اتهام الغرب وحلفائه للنظام السوري باستخدام «السلاح الكيميائي» على أنه استفزاز واضح، يرجع في رأيه إلى «أن الجيش السوري الحكومي يتقدم، وما يُطلق عليهم الثوار باتوا في وضع صعب»، مضيفاً «وما من شيء يتبقى أمام مموليهم ومن يقف خلفهم سوى مساعدتهم عسكرياً». وفي نهاية تصريحاته، وصف الرئيس الروسي توجيه ضربة عسكرية محتملة لسورية بــالأمر «المؤسف للغاية».
إن تصريحات زعيم الكرملين هذه لا تخرج، في الحقيقة، عن تصريحات وزير الخارجية سيرغي لافروف المتعلقة بقضية «استخدام» الكيميائي «وضرورة الحل السياسي للأزمة السورية ومعارضة أي عمل عسكري ضد سوريا. ولكن، الأمر الهام الذي يتضح من هذه التصريحات يكمن في مواصلة الكرملين تبني «الرؤية» الحكومية السورية، وهو الأمر المستمر منذ اندلاع الأزمة. كما يمكننا أن نفهم من تصريحات الرئيس الروسي أن الكرملين سيكثف نشاطه «السياسي» سواء في مجلس الأمن الدولي أم على المستوى الثنائي والجماعي في محاولة لمنع الضربات العسكرية المحتملة، وجعل تكلفتها مرتفعة نوعا ما على واشنطن. وهذا، برأينا، أمر متوقع تماما. وربما سيكون اللقاء بين بوتين وأوباما على هامش قمة العشرين في بطرسبورغ الروسية في الخامس والسادس من أيلول الجاري بمثابة المحاولة السياسية الأخيرة في هذا الصدد، والتي نعتقد أنها لن تكلل بالنجاح لأن آلة الحرب الأميركية تبدو ماضية في طريقها. ومن الهام. هنا أيضا، التأكيد على أن بوتين لم يُلمح من قريب أو بعيد أثناء تصريحاته إلى احتمال «محاربة بلاده لأي أحد» بسبب الوضع المحيط بسوريا.
في مقالنا السابق في جريدة «السفير»، ذكرنا أنه لا يجب أن نشعر بالمفاجأة من تصريح وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، في السادس والعشرين من آب الماضي بأن «بلاده لا تنوي محاربة أحد»، وذلك ردا على أسئلة الصحافيين حول طبيعة الموقف الروسي في حال تنفيذ الولايات المتحدة لتهديداتها بتوجيه ضربات عسكرية لسوريا. وبالرغم من أن تصريح لافروف واقعي تماما ويعبر عن حقيقة الموقف الروسي المتفق عليه داخل القيادة العليا الروسية، إلا أن البعض داخل روسيا شعر بالامتعاض من تصريح الوزير الروسي على أساس أنه ما كان يجب أن يُعلن على الملأ في ظل تصاعد طبول الحرب الأميركية، كي لا يُفهم منه أن موسكو تتراجع أمام واشنطن. وفي هذا السياق ترددت في بعض الكواليس الروسية شائعات عن امتعاض وغضب الرئيس بوتين من وزير خارجيته. ولذلك سارعت الخارجية الروسية على لسان ناطقها الرسمي، الكسندر لوكاشيفيتش، يوم السبت الماضي، إلى القول: «إن تهديدات واشنطن باستخدام القوة ضد سوريا غير مقبولة».
وفي اليوم المذكور نفسه، خرجت صحيفة «كوميرسانت» الروسية المعروفة بخبر يشير إلى أن روسيا ارجأت تزويد سوريا بطائرات مقاتلة ومنظومة الدفاع الجوي الصاروخية «اس-300» لأن دمشق لم تسدد ثمنها. وذكرت الصحيفة الروسية، نقلا عن مصدر لم تسمه في شركة «روسوبورون اكسبورت» الحكومية الروسية المسؤولة عن صادرات الأسلحة، أنه لن يتم تسليم 12 طائرة مقاتلة من نوع «ميغ 29 ام ـ ام 2»، كانت روسيا وافقت على بيعها لسوريا قبل عامي 2016 – 2017. وتابعت صحيفة «كوميرسانت» القول إنه تم تجميد اتفاق أبرم في عام 2010 لتزويد دمشق بمنظومات الدفاع الجوي الصاروخية «اس 300»، في البداية بسبب اعتراضات أميركية وإسرائيلية، والآن بسبب عجز سوريا عن تسديد ولو جزء من قيمتها. ونقلت الصحيفة عن مسؤول في المجمع الصناعي العسكري الروسي قوله: «ليس من الوارد تسليم منظومة «اس ـ 300» إلى سوريا حتى نرى أموالا حقيقية». واللافت أن الجهات الرسمية الروسية لم تؤكد أو تنف ما ذكرته صحيفة «كوميرسانت»، بالرغم من أن بعض المراقبين العسكريين الروس يتكهن بدعم عسكري واستخباراتي روسي «غير مباشر» لسوريا وحلفائها في حال نفذت واشنطن تهديداتها. وفي هذا الشأن يلمح الخبير الروسي، غيورغي ميرسكي، إلى أن القيادة الروسية «ربما ستشعر بالارتياح عندما سترى الولايات المتحدة الأميركية تبدأ حربا جديدة لا تستطيع الانتصار فيها». ولا يستبعد ميرسكي استفادة روسيا من تورط واشنطن في هذه الحرب. كما أن بعض وسائل الإعلام الروسية تعج حاليا بموضوعات تتعلق بالفوائد، التي ستجنيها موسكو من جراء ارتفاع أسعار النفط على خلفية التصعيد العسكري الأميركي. بالطبع، هذه الفوائد ستكون قصيرة الأجل، وربما قد تصعب مقارنتها بالخسائر الإستراتيجية التي يمكن أن تلحق بموسكو مستقبلا. ولذلك كان منطقيا، برأينا، أن يخرج بوتين عن صمته في محاولة للحفاظ على «هيبته» و«هيبة الدولة الروسية»، وفي محاولة أيضا للتذكير بأن روسيا لا تزال قادرة على «المجابهة» بالطرق «السياسية»، دفاعا عن مصالحها وحلفائها.

 

 صحيفة السفير اللبنانية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى