تركيا الجيش لا يتدخل لكنه يراقب! (د. مهند مبيضين)

 

د. مهند مبيضين

حسب الإعلام، فإن ظاهرة اردوغان، تتبدد نجوميتها، والمنابر المناوئة لاردوغان تقول: أن الفساد يستشري في كل المحاور، فمن بيع لأملاك البلديات والرخص والسيطرة على السوق، إلى إقصاء المختلف مع الحزب ومنح الامتيازات الخارجية في التجارة لمقربين من زعاماته، تتمحور اتهامات الخصوم. وفي مقابلها يكون الرد دوماً بأن يَمُدّ زعماء العدالة والتنمية اليد تذكيراً بالنزاهة والصّدَقات التي يوزعونها على الفقراء والمدارس التي تعلم الأيتام وتنشر الدعوة والفضيلة دونما تهديد لعلمانية الدولة ومسارها.
تركيا اليوم خلُصت إلى مصير أردوغاني عبر تجربة شهد الكثيرون بنجاحها لحزب العدالة والتنمية، والمعركة التي يواجهها إخوان تركيا اليوم هي معركة الإخوان خارج تركيا أيضاً،إنها في جزء منها معركة الإخوان وفشلهم في الدروس الاخرى وبخاصة مصرياً وسورياً وليبياً ومغربياً.
ليس من السهل اتهام أردوغان بالفساد، فالرجل نهض باقتصاد تركيا بشكل لافت، قدم برنامجاً اقتصادياً هو وحزبه واستطاع عبر عقد من الزمان تغيير موقع تركيا اقتصادياً وسياسياً على مستوى العالم، ومهما كانت الأموال التي عمل بها، إلا أنها انعكست على المواطن التركي ودخله.
 صحيح أن اغلب القيادات والتجارة وعملياتها بيد مقربين من حزب العدالة، ومن أهمهم نجل رئيس الحكومة طيب رجب أردوغان كما يقول الخصوم، لكن الأتراك من خلال التجارة والصناعة تنفسوا من الديون القديمة، وثقلها المالي وتعززت قيمة عملتهم، وصارت تركيا من أكثر الدول في العالم لفتاً للانتباه بسبب نمو اقتصادها.
تركيا قارة من التنوع، وفيها من المشاكل مع الأقليات والإثنيات ما يمكن ان ينفجر في أي لحظة، وإن كانت المسألة الكردية هي الأهم، لكن ليس من مصلحتنا نحن العرب أن تنهار تركيا أو أن تسقط اقتصاديا أو تنجر للفوضى.
صحيح أن جماعة العدالة والتنمية وزعيمها طيب رجب أردوغان، يواجون المعارضة اليوم، ويواجهون الضغط الإعلامي في مسألة فضحية الفساد الأخيرة، لكن من المعقول انتظار التحقيق والتيقن من كل الأسماء المتهمة، فالمسألة يبدو أنها اكبر من مجرد فساد أو تورط بتهريب أو بيع ذهب إيراني.
ليست الأزمة التركية اليوم مؤامرة غربية قطعاً، أو نتيجة لتفاعل الربيع التركي الذي كان منتظراً من أعداء تركيا أو معارضة الداخل، أو هي نتيجة لأداء المعارضة ودور الإعلام في كشف المستور، لكنها بالتأكيد رغبة لمجموعة من الأطراف التي تريد اسقاط أردوغان وتريد تقليم أظافر تركيا وحضورها.
الجيش التركي خرج عن صمته، بأنه لا يتدخل في أزمة الفساد التي اجبرت اردوغان على تعديل وزاري موسع، لكنه إذا ما تفاعلت الأزمة وتصاعد الاحتجاج وظهرت دلائل حقيقة على رغبة الحكومة بتعطيل التحقيقات، فإنه لن يكتفي بموقف عدم التدخل والمراقبة وقد ينتقل إلى دور آخر في الأزمة، وهو تدخل لصالح حماية أمن الدولة واستقرارها وهو ما يذكر بمواقف أخرى من الإخوان وعلى رأسها الحالة المصرية.
ولكي لا يحصل في تركيا لا قدر الله اضطراب، ولكي لا يتدخل الجيش لأن الجيوش لا تصلح للحكم، فالأمل أن يكون الإجراء الحكومي فعال لعلاج الأزمة،وتظل تركيا نموذجاً طيباً في المنطقة يؤكد أمكانيا تحقيق التقدم برؤية إسلامية، فتركيا لم تتجه للعرب وقضاياهم ولم تتعاون جيدا معهم إلا عهد العدالة والتنمية، والتشفي بها غير مطلوب وغير لائق من أي طرف، لأن استقرارها مهم لنا نحن العرب.

صحيفة الدستور الأردنية

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى