«جبهة فتح الشام»: قراءة في الميثاق

لم يكد زعيم «جبهة النصرة» يعلن عن انفكاك جبهته عن تنظيم «القاعدة» وتجميد العمل باسمها التي تحولت الى «جبهة فتح الشام»، حتى نشرت المواقع التابعة له ما أسمته «ميثاق جبهة فتح الشام». والواقع أنه يمكن اعتبار كلمة الجولاني مقدمة لتلك الصفحة التي حوت عشر نقاط. ما نسعى إليه في هذه الأسطر هو محاولة قراءة هذا الميثاق، بما في ذلك ما ورد على لسان الجولاني نفسه:

1 ـ لعل أول نقطة ينبغي التوقف عندها هو التسمية الجديدة. فكلمة «فتح» لها مدلولها الفقهي والتاريخي فتطلق على المنطقة التي يتم السيطرة عليها مما يقع خارج سيطرة «الجماعة المسلمة». لذلك فقد أُطلق لأول مرة تاريخياً على «فتح مكة» باعتبارها مركزاً «للمشركين». وكذلك أطلق المصطلح على الحروب التي خاضها المسلمون في توسعهم نحو شمال افريقيا واوروبا وغيرها مما سمي «بالفتوحات الإسلامية». ولذلك نجد تاريخياً أن الحروب التي خاضها الحكام الأمويون والعباسيون ضد مناوئيهم الذين سيطروا على بعض الأقطار لم تسم «فتوحات».

2 ـ القسم الثاني من اسم الجبهة هو كلمة «الشام» وهو بحسب أدبيات هذه الجماعات يشمل كلاً من سوريا ولبنان والأردن. فلا غرابة أن يغيب اسم «سوريا» عن كل من كلمة الجولاني وورقة ميثاق الجبهة. ويمكن الذهاب أكثر من ذلك حيث إن الجولاني وجه كلمته الى «إخواني المسلمين في كل مكان أهل الشام الكرام» بحسب ما جاء في بداية كلمته. أما ورقة الميثاق فباستثناء اسم الجبهة المدوّن أعلى الصفحة فقد غاب عنها كل من «سوريا» و«الشام»٬ بل إننا سنلاحظ مفردات تشير إلى «عولمة» أهداف هذه الجبهة كما سيأتي.

3 ـ إن الجولاني في كلمته اعتبر أن تأسيس الجبهة الجديدة جاء «انسجاما مع التوجهات والتوجيهات العامة لتلك القيادة المباركة (قيادة «القاعدة»)» فكيف يكون «هذا التشكيل الجديد لا علاقة له بأي جهة خارجية» بحسب تعبير الجولاني٬ إذا كان إيقاف العمل بالتشكيل القديم وبدء العمل بالتشكيل الجديد كليهما أتى بناء على توجهات وتوجيهات قيادة «القاعدة».

4 ـ في النقطة الاولى من ورقة الميثاق عرفت الجبهة نفسها بأنها جبهة سلفية٬ حيث اعتبرت أن عقيدتها ومنهجها وفقهها ينطلق من فهم «السلف الصالح للصحابة والصالحين». وبهذا المعنى لا تختلف الجبهة عن «تنظيم القاعدة» و «جبهة النصرة».

5 ـ في النقطة الثانية من الميثاق قالت الجبهة إن هدفها: «دفع الصائل على الدين وعلى حرمات المسلمين» وهو عينه ما كانت قد قالته «جبهة النصرة» على لسان الجولاني عندما أعلن بتسجيل صوتي عن تشكيل الجبهة (24/1/2012) حيث قال: «فعلى أهلِ الشام أن يلتفوا حولَ رايةِ لا إله إلا الله، فإنّما يُرفَعُ بها الذلُّ والهوان ويسودُ العدلُ ويُسحَقُ الظلم».

6 ـ «نجاهد لتحكم شريعة الرحمن فيقام دين الله في الأرض»٬ هذه النقطة الثالثة من الميثاق. وهي تتطابق مع عبارات بيان تشكيل «النصرة» بصوت الجولاني حيث قال: «ولذا فإننا نُبشِّرُ الأمة الإسلامية بالحدث التاريخي المُنتَظَر بتشكيل جبهةٍ لنصرةِ أهلِ الشام من مجاهدي الشام في ساحات الجهاد، سعياً منّا لإعادة سلطانِ اللهِ إلى أرضِه» وفي ذلك تصريح بأن هدف الجبهة الجديدة، كما القديمة وساحة عملها المستهدف هو كل «الأرض» لا خصوص الساحة الشامية٬ كما أن في هذه النقطة إشارة الى عقيدة الحاكمية.

7 ـ في النقطة السادسة تدّعي الجبهة أنها سوف «تدعو الى الله بالحكمة والموعظة الحسنة فتبلغهم رسالة ربهم باللين والرفق». والواقع أن التبليغ باللين هو القسم الاول من الحكم عندهم٬ إذ إن غير المسلم وفق تقسيماتهم هم كفار ومشركون، وهؤلاء يدعون الى الإسلام وإلا ينالهم القتل والسبي ووضع اليد على أموالهم. وأما أهل كتاب فالحكم فيهم هو دعوتهم للإسلام وإلا فدفع الجزية.

8 ـ في النقطة الثامنة تعلن الجبهة أنها توالي المسلمين بولاء الإسلام وتعادي الكافرين وتتبرأ منهم. وهي عقيدة الولاء والبراء عندهم والتي تتحكم بعقيدة هذه الجماعات استكمالا لعقيدة الحاكمية. يذكر أن كتاب «الولاء والبراء عقيدة منقولة وواقع مفقود» هو من أبرز كتب الظواهري بعد كتابه «الحصاد المر».

في المحصلة، لا تبدو أهداف «جبهة فتح الشام» مختلفة عن أهداف «جبهة النصرة»، سواء من خلال بيانات التشكيل أو من خلال الاصطلاحات والأدبيات المستعملة فيها، ما يشير إلى أن الأهداف المعلنة تخفي خلفها ببراغماتية ملغومة، أهدافاً أخرى تتعلق بالساحة «الشامية» نفسها.

صحيفة السفير اللبنانية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى