سوريا بحاجة إلى أكثر من جنيف آخر.. (صلاح سلام)

 
صلاح سلام


يبدو أن النجاح الذي حالف الأخضر الإبراهيمي في الأزمة اللبنانية أواخر الثمانينات، ما زال بعيداً عن مهمته المعقدة لإيصال الحرب السورية إلى شاطئ الحل السياسي.
ورغم أوجه التشابه الكثيرة بين الحرب اللبنانية البائدة، والحرب السورية المشتعلة، فالجهود الدبلوماسية التي يقودها الوسيط الأممي، ما زالت متعثرة، ومواقف النظام والأطراف السورية الأخرى ما زالت متباعدة، فضلاً عن أن التدخلات والعوامل الإقليمية والدولية، ما زالت تتصارع على الساحة السورية، بهدف تحسين مواقعها التفاوضية، وتحقيق أطماعها على حساب المصالح الوطنية للشعب السوري المنكوب.
والكلام عن مؤتمر جنيف - 2، بعد فشل تنفيذ اتفاقات وقرارات جنيف -1، يُذكرنا بالأحاديث والآمال التي كنا نعلقها على المؤتمرات العديدة التي عُقدت في الثمانينات لوأد نار الحرب اللبنانية، والتي كان أبرزها في الخارج مؤتمرا جنيف ولوزان، اللذان جمعا أطراف الأزمة السياسية برعاية عربية ودولية، وأخفقا، يومذاك، في التوصل إلى الصيغة المناسبة والقادرة على إنهاء المأساة اللبنانية، بعد سنوات مديدة من الحروب الداخلية العبثية.
ويكاد المشهد اللبناني الدراماتيكي بالأمس، يتكرر هو نفسه اليوم في سوريا، حيث تشتد المعارك عند كل جولة من المفاوضات، ثم ينفجر الوضع على نطاق أوسع، إثر كل فشل للمؤتمرات. في وقت تكون فيه الأطراف الخارجية المتصارعة تدير اللعبة، وفق استراتيجياتها وتكتيكاتها المختلفة، ولو أدّى ذلك إلى مزيد من سقوط الضحايا الأبرياء، وإلى استفحال وتيرة الخراب والتدمير!
* * * *
الواضح، حتى الآن، أن أجواء التشاؤم تحيط بمؤتمر جنيف من كل حدب وصوب.
سورياً، النظام ليس مستعجلاً، قبل استكمال تقدّم قواته والحلفاء في الشمال باتجاه العاصمة الاقتصادية حلب، في الوقت الذي يستكمل فيه استعداداته لخوض معركة القلمون، وإبعاد قوات المعارضة عن الريف الدمشقي.
المعارضة السورية في الخارج، ما زالت مترددة في الحضور، قبل الحصول على ضمانات برحيل الأسد في المرحلة الانتقالية، التي يُفترض أن تشرف عليها حكومة ائتلافية تضم كل الأطياف السورية.
المعارضة العسكرية في الداخل متمسكة بشرط تنحي الأسد قبل الجلوس إلى طاولة المفاوضات. أما التنظيمات القادمة من الخارج، وخاصة «داعش»، فلا ترى خياراً غير الحل العسكري!
إقليمياً، التوتر الإقليمي ما زال على أشده، خاصة بين السعودية وإيران، طرفي النزاع الإقليمي في سوريا. فضلاً عن التباين المستمر بين طهران وكل من أنقرة والدوحة، حول مصير النظام في سوريا. وانعكاس هذا التوتر على الوضع الأمني المتفجر في العراق، والأزمة السياسية المتمادية في لبنان.
دولياً، ما زالت «الصفقة» الأميركية – الروسية أسيرة التفسيرات المختلفة بين واشنطن وموسكو من جهة، وهي موضوع تجاذب بين الديمقراطيين والجمهوريين في الكونغرس من جهة ثانية، على خلفية سياسة التنازلات التي يقودها وزير الخارجية جون كيري لزميله اللدود سيرغي لافروف، وما يصاحبها من ضعف وتردّد في اتخاذ القرارات الحاسمة من جانب سيّد البيت الأبيض.
كما أن الحوار الأميركي – الإيراني ما زال في مرحلة الاختبار الحذر، رغم كل الضجة الإيرانية المُبالغ فيها حول عودة التواصل مع واشنطن، واستئناف مفاوضات الملف النووي مع مجموعة «الخمسة زائد واحد»!
وبغض النظر عن النتائج الفورية التي أسفرت عنها زيارة كيري إلى الرياض، أمس، فان الموقف السعودي ما زال يُعتبر حجر الزاوية، ليس في أية تسوية للأزمة السورية وحسب، بل في كل الملفات المطروحة على الخريطة السياسية للإقليم، ولعل واشنطن تدرك، أكثر من غيرها، بأنه من الصعوبة بمكان، تجاوز الموقف السعودي، وعدم أخذ مكانة ودور السعودية في الاعتبار عند طرح مشاكل المنطقة على طاولة النقاش والتفاوض.
* * *
من المهم جداً الإسراع في وقف دوّامة الحرب، ووضع حدّ للمجازر المتنقلة في سوريا، ولكن يبدو أن طبخة الحل السوري ما زالت بحاجة إلى مزيد من الوقت، بما هو أبعد من موعد جنيف -2 المقترَح في نهايات الشهر الحالي، أو أواسط الشهر المقبل.
ولعل تعقيدات الوضع الإقليمي، والتداخلات الدولية الحاصلة في الأزمة السورية، تحتاج إلى أكثر من جنيف آخر للتوصل إلى الحل السياسي المنشود!

صحيفة اللواء اللبنانية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى