طموح وقائع وحقائق (نضال سعد الدين قوشحة)

نضال سعد الدين قوشحة 

 

أطمح أن أكون مليارديرا ، ولكن الوقائع تجعل هذا الطموح صعب التحقق والحقائق تنسفه تماما . من أجل هذا يحب الناس أن يعيشوا بأحلام الطموح الذي لاحدود له ويقبلون على مضض العيش في عالم الوقائع التي تجري على الأرض ، لأنها تواجههم بالحياة الحقيقية بمرها وقسوتها ، ومعظم الناس يرفضون العيش في دائرة الحقائق ، لأنها مجردة لا تقبل حلا وسطا ، وهي تفرض على الشخص سطوتها بعيدا عن أهوائه و متطلباته .
سياسيا ، الأمر نفسه موجود ، فالسياسة رغم تقلبها وعدم القدرة على ضبط تعريف موحد لها ، لن تستطيع أن تحيد عن هذه الذهنية . فشخص يطمح أن يعيش في الجولان ، ولكن الوقائع تشير إلى صعوبة ذلك ، كونه أرضا محتلة ، والحقيقة أن ذلك مستحيل على الأقل في المدى القريب ، لأن قضيته شائكة جدا ويجب أن تتدخل فيه سياسات دول ، ومنظمات سياسية كبرى .
في مقاربة من هذا المنطق ، لمصير الأحداث في المنطقة العربية ، خاصة في الدول التي هبت فيها عواصف الربيع العربي . السلطات تطمح أن تحل القضية خلال أشهر ، والوقائع تشير إلا أنها لن تكون قبل سنوات ، والحقائق تؤكد أن الحلول جذريا تحتاج لما هو فوق ذلك .
سنخصص . لو سألت سوريا عن أفق حل الأزمة الراهنة ، سيجيب من واقع موقفه من السلطة والثورة . السلطوي طامح أن تحل بأسابيع وربما أشهر في أبعد الحالات، ريثما تنتهي الإنتخابات الأمريكية . أما المحايد الصامت فسوف يتحدث من خلال الوقائع التي تشير إلا أنها تحتاج لسنة أو أكثر قليلا ، أما الثوري ، فأنه سوف يؤكد أن المسالة ستحتاج لسنوات .
والمسألة تاهت بين طموح ووقائع وحقائق . وكل يغني على ليلاه . والوطن ينتظر لكي يرسو على بر محدد ، يستريح بعده من هذه العاصفة الجامحة التي أحاطت به على مسار الفترة السابقة .
من فوائد هذه المحنة أو الأزمة التي تعيشها البلاد العربية ، التي تعرضت لها موجة الربيع العربي ، أنها أعادت إلى أذاهننا تعريفات ، كنا نظنها بدهية ، لكنها ظهرت غير ذلك تماما . فمفهوم المواطنة والحرية واحترام الرأي الآخر  وحتى الإعتقال والعنف السياسي والجسدي ، صار لها دلالات جديدة في حياتنا اليومية . ومن هذه المفاهيم التي تخلقلت من جديد . الطموح والواقع والحقيقة .
سوريا يفضل المواطن البسيط الوطني ، أن تتطابق كل هذه المقاهيم بعضها مع بعض . فالطموح مشروع ، ويكون مقبولا عندما يبنى على أرض الواقع وبحسابات دقيقة ، وكل هذا ينجح عندما تكون الحقيقة الدامغة أن الدولة تريد فعلا صناعة التنمية في موطنها ، وتحقيق أحلام الشعب الذي تنظمه وتحكمه . آنئذ سيكون هذا الثالوث جسما واحدا وذهنية واحدة ، نبني من خلالها وطنا ، نرغبه سيدا قويا حصينا وقبل كل هذا عادلا يساوي بين الجميع . 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى