عاصفة حربية تجتاح مياه الخليج العربي (د. محمد صالح المسفر)

د. محمد صالح المسفر

 

تجري في مياه الخليج العربي أكبر وأضخم مناورة بحرية حربية يشارك فيها أكثر من ثلاثين دولة من الدول الغربية وحلفائها بقيادة أمريكية. إنها مناورات دفاعية كما جاء في بيان القيادة الإقليمية للقوات البحرية الأمريكية المتمركزة في مملكة البحرين، والهدف من هذه المناورة الضخمة كما جاء في بيان القيادة العسكرية الأمريكية الحفاظ على حرية الملاحة في الخليج العربي. يعود البيان الأمريكي آنف الذكر إلى القول إن هدف هذه المناورات الحربية بهذه الضخامة هو لإزالة الألغام في مضيق هرمز.إن مجال هذه المناورة المخيفة يمتد من مياه الخليج وبحر عمان وخليج عدن.إلى جانب هذا التواجد العسكري الرهيب اليوم في الخليج تجري حرب الإلكترونية بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية تستهدف أجهزة الحاسوب الآلي بين المتصارعين وهذه الحرب سوف تؤثر على أجهزة الحواسب في كل المنطقة الأمر الذي سيؤثر على النظم الإلكترونية العاملة في حقول النفط والغاز وغر ذلك.
 السؤال الذي يطرح نفسه في هذا المجال هل إزالة الألغام من مضيق هرمز أو باب المندب يحتاج إلى هذه القوة العسكرية المخيفة؟ هل هو استعراض قوة ذات نيران محرقة مدمرة لتخيف أو لتهدد المنطقة بكاملها وتوحي إلى العملاقين العسكريين الاتحاد الروسي والصين اللذين يتصديان للمشاريع الغربية على أراضينا وفي مياهنا وأجوائنا بأنها لا تساوم على مصالحها في الشرق الأوسط مهما كانت النتائج.إنها حقا فيلة ضخمة تتصارع على مجالنا الحيوي ونحن الضحية أيا كانت النتائج.

(2)
يذهب البعض إلى القول بأن هذا التواجد العسكري هو لإرسال رسالة إلى إيران بأن هناك تحالفا دوليا يضم أكثر من ثلاثين دولة معظمها من الدول الصناعية الأوروبية بينها ثلاث دول عظمى أمريكا بريطانيا وفرنسا وكذلك ألمانيا مجتمعة لمنع إيران من دخول مجال التسلح النووي ولو عن طريق القوة، معنى ذلك أن هذه الدول الغربية تعلم أن إيران لديها قوة عسكرية رهيبة قادرة على تحقيق أهدافها في المنطقة ولو عن طريق القوة لو تركت دون مواجهة. إن هذا الاستنتاج يبعث برسالة أخرى تخيف دول مجلس التعاون الخليجي تقول هذه الرسالة إنكم يا حكام الخليج لا مستقبل لكم ولا أمن لنظمكم الحاكمة إلا بحمايتنا وإرادتنا وعليكم أن تسيروا في نسق تحقيق مصالحنا وإلا فلا شأن لنا بأمن أنظمتكم وسوف نحافظ على مصالحنا في المنطقة ولو عن طريق القوة.
في هذا السياق؛ وخلال الأعوام الثلاثة الماضية أنفقت دول مجلس التعاون ما يقدر 123 مليار دولار على السلاح بهدف الدفاع عن أمن الخليج العربي وفي هذا العام أنفقت دول خليجية على شراء أسلحة من أمريكا بمبلغ ثمانين مليار دولار بينما إيران محاصرة إلا أنها استطاعت بث الخوف في قلوبنا بقوتها العسكرية وبمناوراتها الحربية المتعددة وعلى مقربة من شواطئنا البحرية وأجرت مناورات حربية لتجريب فاعلية صواريخها المطورة وكذلك قوتها الجوية والبرية وعلى مسمع من العالم، والرأي عندي أن إيران استفادة من علماء العراق الذين أسرتهم أو الذين أغرتهم لمعاونتها في مجال التسليح وغيره من المجالات الحيوية بعد احتلال العراق من قبل أمريكا وبريطانيا عام 2003، كما أنها استفادة من علماء الجمهوريات الإسلامية الذين خرجوا من ربقة الاتحاد السوفيتي بعد انهياره.
علماء العراق وأصحاب المهارات والمهن النادرة من العراقيين منعوا من دخول معظم دول مجلس التعاون إن لم يكن كلها بينما قبلت بهم كندا وأستراليا وبعض دول أوروبا وكذلك أمريكا، أما علماء الجمهوريات الإسلامية التي كانت ضمن الاتحاد السوفيتي قبل انهياره عام 1991 وكذلك علماء العراق وخبراؤه لم يلتفت إليهم أحد من العرب رغم تنبيهنا مرارا لصناع القرار في دول مجلس التعاون عبر وسائل الإعلام المختلفة في حينه. لا جدال بأننا أصبحنا رهائن بكل معنى الكلمة للدول المصدرة للسلاح خاصة أمريكا.

(3)
قد يقول قائل ما ذكر أعلاه تشخيص لما هو قائم اليوم في المنطقة، وأن اتفاقية الدفاع العربي المشترك لم تعد قائمة لأن الجيش العراقي قد مزقت وحداته وشتت قياداته المدربة، وجيش مصر منشغلا بحال مصر اليوم والجيش العربي السوري يجري العمل للقضاء علية بفعل قيادته السياسية التي زجت به في حرب داخلية مهلكة دفاعا عن حاكم ورهطه من حوله ولم يعد الوطن السوري ذا أهمية عند القيادة السياسية السورية الحالية بقدر ما أهمية بقاء الرئيس بشار الأسد على قمة هرم السلطة.
نعم نحن في مأزق رهيب ولم نستعد لهذه الفترة المظلمة المدلهمة، شاركنا في إضعاف أنفسنا بالاعتماد على القوى الطامعة فينا وفي خيرات بلادنا بأنها ستكون الحامي لنا. وللخروج من المأزق الذي نعيشه اليوم لابد من إجراء عملية إصلاحات سياسية واقتصادية ودستورية جادة وصادقة بأسرع طريقة ممكنة في كل دول مجلس التعاون، وإشراك المواطن في اتخاذ القرارات الإستراتيجية، كما يجب إعادة النظر في مفهوم الأمن القائم، فأمن النظم السياسية القائمة أمر مطلوب ولكن أمن الوطن وسيادته وسلامة أراضيه ووحدته وتماسكه الاجتماعي يجب أن يأتي في مقدمة مفاهيم الأمن المطلوب تحقيقه.
آخر القول: هذا الحشد البحري والجوي في المنطقة يذكرنا بالحشد البري والبحري والجوي في دول مجلس التعاون علم 1991 والذي أدى في النهاية إلى عمليات "عاصفة الصحراء" وبدورها دمرت العراق العربي وأخرجته من قوة العرب.

صحيفة الشروق القطرية

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى