عن «اتحاد الديموقراطيين» و«الائتلاف»!(ميشيل كيلو)

 

ميشيل كيلو

كلما قام احد بمبادرة سياسية ما في ساحتنا السورية، سارع كثيرون إلى تعطيل عمله وشل حركته. هذا قانون غير مكتوب في السياسة السورية، يلتزم كثيرون به في كل مناسبة وأمر.
عندما عقدنا لقاء التشاور في القاهرة استعدادا لتأسيس «اتحاد الديموقراطيين السوريين»، الذي سمي خطأ «القطب الديموقراطي»، طرحت مسألة «الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السياسية»، وما إذا كان الهدف من تأسيس «الاتحاد» هو تحسين شروط دخولنا إلى «الائتلاف». يومها، أكدنا مرارا وتكرارا أن لا علاقة بين الأمرين، وأن «الاتحاد» مسألة استراتيجية وجهتها المجتمع السوري الذي لا بد أن يؤسس تنظيما ديموقراطيا يعبر عن تطلعاته، ويلبي رغبته في أن يكون للخيار الديموقراطي حضوره في الشعب وتمثيله في سياساته العليا، أي في التطورات المقبلة التي ستقرر مصير بلادنا. وبالتالي ما إذا كانت ستذهب إلى نظام ديموقراطي أم ستخرج من أزمتها الحالية لتدخل في أزمة جديدة، باعتبار أننا سنقف أمام كتلتين تاريخيتين يحتمل جدا انهما ستحددان في المستقبل القريب مسارنا ومصيرنا، إحداهما الكتلة الديموقراطية التي لا يجوز أن تبقى مفتتة ومشتتة لا تعبير لها ولا كيان، لأن ذلك سيضع أقدارنا بين أيدي بديل إسلامي ما، لا نعرف اليوم أي شيء عنه غير أنه سيأخذنا إلى استبداد جديد. بالمقابل، ليس انتسابنا إلى «الائتلاف» غير انخراط في صراع سياسي قائم، تفتقر الديموقراطية السورية المنظمة الى وجود تمثيلي فيه يعكس وزنها. وبما أن «الائتلاف» سيحل نفسه بمجرد تأسيس حكومة انتقالية، فإنه يظل كيانا عابرا، وإن كان الدخول إليه يمكن أن يحسن فرص الوحدة بين الديموقراطيين. بهذا المعنى، ليس دخولنا «الائتلاف» مسألة حياة وموت بالنسبة إلى الديموقراطية أو إلى وطننا، بينما قيام اتحاد ناجح وفاعل يضم اوسع قطاعات الديموقراطيين السوريين مسألة كهذه، فمن غير الجائز بأي حال من الأحوال إخضاعها لحسابات وقتية أو عابرة وجزئية كالانتساب إلى «الائتلاف»، ولا بد ان تخضع جميع الحسابات الأخرى لها، باعتبارها أم جميع قضايانا كديموقراطيين.
لا علاقة إذاً بين الانتساب «للائتلاف» وبين تكوين «القطب الديموقراطي». إنهما تكوينين مختلفين من حيث بنيتهما ووظائفهما ومراميهما. ومن انتسبوا إلى «الائتلاف» فعلوا ذلك بصفتهم ديموقراطيين افرادا وليسوا أعضاء في «اتحاد ديموقراطيين سوريين»، يستحيل ان يدخلوا اي مكان او تنظيم باسمه، لسبب بسيط هو أنه لم يولد بعد. لذلك، وعندما تم التصويت وادرجت اسماؤنا في قائمة سميت «قائمة اتحاد الديموقراطيين»، طلبت حذف الاسم واعلمت من يهمهم الامر اننا لسنا هنا كأعضاء في تنظيم لم يوجد بعد. ليس لنا بالتالي حق التحدث باسمه أو تمثيله، بل نحن مجرد ديمقراطيين افرادا، واقترحت أن تسمى قائمتنا «القائمة الديموقراطية»، إذا كان لا بد من اسم يطلق عليها.
هل يتعارض انتساب تكتيكي لديموقراطيين أفرادا مع تأسيس استراتيجي لاتحاد ديموقراطيين سوريين؟ وهل يغلق انتسابهم إلى «الائتلاف» سبل تأسيس «الاتحاد» أو يجعل قيامه صعبا أو غير ممكن؟ اعتقد أن هذين السؤالين على قدر كبير من الأهمية. وابادر إلى التأكيد: إذا كان وجودي في «الائتلاف» سيتعارض مع دوري في إقامة «الاتحاد»، فإنني لن امكث دقيقة واحدة فيه، وسأغادره دون تردد، لأن هدفي ليس دخول لعبة سياسية أنا أصلا منخرط حتى ذقني فيها، بل تأسيس كيان لا مستقبل للديموقراطية في سوريا من دونه، ولا قيمة لأي دور مهما كان كبيرا إلا بدلالته. ليس «الائتلاف» أولويتي، وإذا كنت قد انخرطت في صفوفه فلاعتقادي أن ذلك لا يتعارض بأي شكل مع عملي لإقامة «الاتحاد». وربما كان يجعله أكثر سهولة، ما دام نجاحنا كديموقراطيين افرادا قد يعزز الرغبة في جمع كلمة القطاعات الديموقراطية التي ستنتسب إلى «الاتحاد»، وستناضل لإقامته، ويجعل الطريق إليه سالكا، ليس فقط بسبب الدور المهم الذي يمكن «للقائمة الديموقراطية» لعبه في ما يتخطى «الائتلاف» إلى الواقع، بل كذلك لأن استبعاد الديموقراطيين عن مؤسسات التمثيل المعارض يجب أن ينتهي، امتثالا لحتمية غدت امرا لا مهرب منه، تتطلبها تطورات متنوعة على قدر عظيم من الخطورة، اهمها: تحولات ميزان القوى العسكري لصالح النظام ميدانيا، وقرب انعقاد مؤتمر جنيف وما يمكن أن يتمخض عنه من مخاطر جسيمة سياسيا، ووجود فرصة جدية تتيح للديموقراطيين ممارسة دور مفتاحي من الآن فصاعدا، يستعيدون بفضله بعض الوزن والحضور الذي غابوا عنه منذ تأسيس المجلس الوطني قبل أكثر من عام ونصف العام. مع ما سيرتبط بذلك من تحسين محتمل للأوضاع السياسية العامة في وطننا المنكوب، خاصة بعد أن اخذ «الجيش الحر» موقفا واضحا إلى جانب الديموقراطيين وابلغ الجميع أنه يرى في نفسه حليفا لهم، وقال إنهم حملة القضية الوطنية والنضالية الرئيسيتين. فهل يضر هذا كله بفرص تأسيس «القطب الديموقراطي» أم انه يخلق شروطا أفضل لقيامه ويعطيه زخما اكبر لدى الرأي العام السوري، الذي تنتظر قطاعات متزايدة الاتساع منه قيامه بترقب وتتابع أنشطة من يعملون له بتعاطف وتأييد جديين؟.
بدل المماحكات التي تجعل الدخول إلى «الائتلاف» متعارضا مع تأسيس «اتحاد الديموقراطيين السوريين»، كان من الضروري مناقشة واقتراح خطط عمل وبرامج تنفيذية تمكن «القائمة الديموقراطية» من لعب دور مفصلي داخل «الائتلاف» بالنسبة إلى واقع سوريا السياسي اليوم، وما ينتظرها من تطورات حاسمة خلال الأشهر القليلة القادمة. لكن العقل التعطيلي لا يرى المهم وينصرف إلى الفرعي والثانوي، ويأخذ على الدوام مواقف تقنية الطابع، لا علاقة لها بالواقع السياسي في شموله، لذلك تعجز عن وعي ما يحدث على حقيقته وعن الفعل فيه، بينما يعتريها الخوف مما يمكن ان ينجم عنه من تطور وتغيير، ويجعلها تفضل أن لا تقوم بأي شيء بدل أن تنتقل من مواقعها الراهنة إلى بدائلها المطلوبة.
ليس «الائتلافُ» بديلَ «الاتحاد»، الذي لن يكون هناك اي بديل له، اليوم وغدا. وليس «الائتلاف» مثيلا للاتحاد وليس غاية بحد ذاته، وهو لا يمكن أن يرقى إلى مستواه تحت أي ظرف ولأي سبب، ولا يستطيع أن يكون سبيلنا إليه مهما زادت ادواره وصحت سياساته. وإذا كنا قد دخلنا «الائتلاف» كافراد انتظموا في قائمة واحدة، فلأننا نرى في دخوله ضرورة تمليها تطورات ظرفية على درجة كبيرة من الأهمية. بينما «الاتحاد» ضرورة وجودية، مجتمعية وفوق سياسية، سيقرر نجاحها مصير بلادنا إلى عقود، وربما إلى قرون قادمة، بينما لن تسقط السماء على الأرض أن اختفى «الائتلاف» غدا، وقد يتم استبداله في اي وقت بتنظيم آخر افضل منه بكثير، علما بان دخولنا إليه تم بمعركة ستترتب عليها نتائج مهمة إن نحن احسنا العمل والنضال.
والآن، وقد صارت قصة «الائتلاف» وراءنا، لا بد من أن نتجه بكامل طاقاتنا إلى العمل من أجل تأسيس «اتحاد الديموقراطيين السوريين»، غايتنا التي لا تعلو عليها أو تدنيها غاية، وهدفنا الذي لا يرقى إليه هدف.

صحيفة السفير اللبنانية

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى