في استقبال رئيس جديد (وائل عبد الفتاح)

 

وائل عبد الفتاح

ـ 1 ـ

… سيبدأ المشير السيسي والجميع يرى في فشله «الكارثة التي لا رجعة منها»… حتى من لم ينتخبه أو من قاطع أو سجل الرقم القياسي في الأصوات المبطلة (مليون و800 الف صوت تقريبا…) كلهم يرون أنه ليس أمام السيسي الا النجاح…
ورسميا سيبدأ اليوم عصر «رئيس جديد». والجديد فيه أنه سيحكم وعلى مقربة منه لأول مرة في التاريخ المصري الحديث 3 رؤساء سابقين (اثنان منهما في السجن، واحد بالبدلة البيضاء، والآخر بالزرقاء… والثالث أنهى فترته الانتقالية) الى جانب مشير آخر حكم عبر مجلس عسكري (وغادر الحكم مغضوبا عليه…). وهذا طبعاً بخلاف تاريخ من النهايات المأساوية للرؤساء في مصر (من الاعتقال الى الموت المبكر والغامض وحتى الاغتيال والسجن…).
وفي هذا الزخم كله غالباً لن تكون فترة رئاسة المشير السيسي سوى «انتقالية جديدة». تتم فيها هندسة العلاقة بين «الدولة» و«الثورة»… هندسة ليست سهلة كما يبدو من بعيد.

ـ 2 ـ

… سيبدأ السيسي بعد أن التصقت السلطة بالشعب تقريباً أو بمعنى أدق أصبح لها «شعب» يراها «إله الإنقاذ…».
وهذا ليس صعباً على المعارضة فقط… لكنه أصعب على السيسي الذي ما إن تصدر منه أو من نظامه إشارة الى اغتراب جديد بين السلطة والشعب… فالمسافات لا يمكن إعادتها كما وصلت إليه مع مبارك… كما لا يمكن الحفاظ على الالتصاق الشعبي لأسباب أمنية في جانب أعظم، لكنها تتعلق بجوانب أخرى في بنية السلطة وأجهزتها…
الالتصاق سيمنح للمشير السيسي ظهيراً شعبياً يعوّض غياب أجهزته السياسية لكنه في المقابل لن يقبل منه أخطاء كان يمكن قبولها من جنرالات آخرين… وما كان يصلح لمبارك لن يصلح للسيسي… فمبارك أدار الدولة من لحظة ثبات ووفق «كتالوغ» محفوظ وأجهزة مستقرة ومفاتيح كلها في يده.
كما كان المجتمع كتلة «صامتة» أو «ميتة إكلينيكيا» بعد استسلامها مرتين: الأولى بانتظار أن يكون مبارك «ديكتاتوراً عادلاً» أو «عبد الناصر جديداً» يمحو آثار السادات… والثانية في معركة النظام مع الوحش الإرهابي في التسعينيات.
لكن السيسي يأتي في ظل عاصفة التغيير وارتفاع سقف الطموحات وفي ظل تشققات في «الدولة» وإحباطات في «الثورة»… وتحول الخوف من الإخوان الى هستيريا… ومن شهوة «الفلول» في العودة الى الضغط على «الرئيس الجديد»…
والأخطر أن هناك شرائح في جمهور السيسي نفسه تنتظر أكثر من خطابات «الخوف…» تنتظر سياسات وطرازاً جديداً لحاكم محترف يحترم العقل والخبرة و«يصلح» ما افسدته الأنانية المفرطة لمبارك وعصابته…
هذه الشرائح تقف الآن على مسافة «التململ…» أو «الترقب» أو «الحذر الصامت…».

ـ 3 ـ

… هناك إذن حركة في الفراغ…
تتخيل الدولة أنها ماهرة فيها وتستدعي من طواقمها المخابراتية والدولتية من لديه طموح في السقوط من أعلى (الأجهزة) الى (الفراغ السياسي)… وهذا لا يصب إلا في رصيد الإخوان… لأن قبول نظام مبارك التقاسم أو السماح بوجودٍ ما لجماعات الإسلام السياسي كان شرط إقامة «نظام ادارة الاستبداد…»، وهذا ما تبدو إعادته مستحيلا بعد الدم وتجارب الـ42 شهراً الماضية…
التجارب تقول إن الفراغ وهو مشكلة ليست مصرية… بل إنها تلقي بظلالها القاسية في ليبيا وسوريا ولبنان… الفراغ سيظل لفترة اللاعب الرئيسي لأن الفعاليات القديمة انتهت وترفض الرحيل أو يرجى منها المستحيل.

صحيفة السفير اللبنانية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى