متى انتهت الثورة السورية؟

بدأت الثورة في آذار 2011 ولمَّا تنتهِ بعد.

مَن قال إنها لم تنتهِ إلى الفشل بعد ان انحرفت الحرب بها إلى أن تكون وسيلة لتهديم سوريا، بل محوها. لقد تحول كل شيء عن مساره فلمَ لا تكون الثورة جزءا من ذلك الـ”كل” الذي لم يعد يُذكر بحقيقته؟

بين المعارضين السوريين مَن يزعم أن الثورة انتهت حين سُلحت.

من وجهة نظرهم فان المسلحين حين سطوا على الثورة سرقوا حلم الشعب السوري في التغيير السلمي. لم يعد التغيير ممكنا في ظل حرب، سمحت لقوى اقليمية ودولية أن تكون أطرافا قوية فيها. بعد تلك الحرب لم يعد الصراع شأناً سورياً خالصاً، بل أصبح كل شيء في سوريا رهين ارادة دولية موزعة بين قوى ليست على عجلة من أمرها، ولا يهمها زيادة عدد القتلى والضحايا والمشردين والنازحين.

هناك مَن يقول إن الثورة كانت قد بيعت يوم تكفلت دولة قطر بالإنفاق عليها. كانت تلك الصفقة واحدة من أكبر الطعنات التي توجه إلى ثورة شعبية في العصر الحديث. فعن طريق قطر تسللت الكثير من الجماعات الاسلاموية المتشددة إلى سوريا من خلال تركيا.

على السطح كان واضحاً أن قطر التي كُلفت بتمويل الحرب من جهة المعارضة قد سعت جاهدة إلى فرض جماعة الاخوان جزءاً من تشكيلة قيادة المعارضة السورية، بل أن الدوحة كانت قد شهدت تنصيب الشيخ معاذ الخطيب رئيسا للائتلاف السوري المعارض الذي تم الاعلان عن تأسيسه هناك.

وهو ما يعني أن قطر نجحت في شراء الثورة بكل مكوناتها، كما لو أنها كانت نادياً رياضياً أو مخزنا للملابس والهدايا أو عمارة سكنية.

اما حين ظهرت جبهة النصرة وهي تنظيم يتبع القاعدة وتلاها ظهور تنظيم داعش وهو الآخر كان جزءاً من القاعدة فقد صار جليا أن الثورة التي كان روادها الاوائل يهتفون “سلمية” قد ولت إلى غير رجعة.

لم يعد الحديث عن حراك سياسي سوري معارض يشغل أحداً.

لقد انزوى الكثيرون من دعاة ذلك الحراك في الظل.

وفي الداخل كان الجيش السوري الحر التابع للائتلاف السوري المعارض يسلم مواقعه واحدا تلو الآخر أما لقوات النظام أو لداعش.

أهو اعتراف متأخر بنهاية الثورة؟

لقد تحولت سوريا بسبب فوضى الحرب وتعدد رعاتها إلى اقطاعيات، يديرها امراء حرب قدموا من اماكن بعيدة، ليديروا شؤون حرب، مادتها مرتزقة مرضى شغفوا بالقتل مهنة عبثية يعتاشون منها ويغذون أنفسهم وعقولهم المريضة بفيض تعاساتها وبمشاهد الجثث والرؤوس المعلقة على الاسوار.

سوريا لم تعد سوريا، غير أنها بالدرجة الأساس لم تعد للسوريين.

هل سلمتها الثورة للأغراب؟

قد لا يجرؤ أحد من القيادات السابقة للمعارضة السورية التي تم تشكيلها على عجل في اسطنبول على الاعتراف بتلك الحقيقة المرة. ولكن مَن خان مَن؟ هل كانت الخديعة بضاعة جاهزة حاولت الاطراف كلها تمريرها مستفيدة من عاطفة شعب، سيترك وحيدا ومهمشا أمام آلة القتل؟

سيغسل الكثيرون أيديهم من حبر الخطابات والبيانات وسيلقي الكثيرون باللائمة على الوضع الدولي المشتبك والمحير وسيصمت الكثيرون لائذين بمنافيهم التي هي أوطانهم البديلة من أجل ألا يواجهوا مسؤولياتهم عما جرى لبلادهم وقد ضاعت.

سوريا الضائعة هي بلد ضيعه أبناؤه حين اضاعوا بوصلة ثورتهم.

لا تنفع اليوم المراثي. لقد مكر سياسيو سوريا المعارضون ببلادهم مثلما فعل النظام تماما، فكانت النتيجة ان وقعت البلاد في مغطس لن ينجو منه أحد.
فهل الاعتراف بنهاية الثورة يخفف شيئا من الأسى؟

سيقول الحكماء ممن توقعوا هذه النهاية “لقد حذرنا” ولكنها جملة لا تنفع وطنا ممزقا شعبا صار قيد النزوح واللجوء والتشرد.

ميدل ايست أونلاين

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى