مصر على شفا الهاوية (مرة أخرى)- (ستيفن كوك, إريك تراغر, و شالوم كوهين)

ستيفن كوك, إريك تراغر, و شالوم كوهين

 "في 14 كانون الأول/ديسمبر، 2012، خاطب ستيفن كوك، إريك تراغر، وشالوم  كوهين منتدى سياسي في معهد واشنطن. والدكتور كوك هو زميل أقدم في زمالة حسيب جيه. صباغ لدراسات الشرق الأوسط في "مجلس العلاقات الخارجية" ومؤلف كتاب "النضال من أجل مصر" (2011). والسيد تراغر هو زميل الجيل القادم في المعهد، ويكتب حالياً أطروحته عن جماعة «الإخوان المسلمين» في مصر. والسيد كوهين، هو دبلوماسي مقيم سابق في زمالة باي في المعهد، وشغل منصب سفير إسرائيل في مصر بين عامي 2005 و 2010. وفيما يلي ملخص المقررة لملاحظاتهم."
 
ستيفن كوك
منذ أوائل القرن العشرين لم يكن هناك حزب مصري قادر على تلبية مطالب الشعب في الحصول على العدالة الاجتماعية، وإيجاد حكومة ممثلة والتمتع بكرامة وطنية. بالإضافة إلى ذلك، ما تزال الأسئلة الجوهرية دون إجابة بشأن المبادئ وتنظيم الحكومة، والأكثر أهمية، العلاقة بين الدين والدولة. ومنذ الإطاحة بحسني مبارك فشل «الإخوان المسلمون» بصورة مشابهة في معالجة تلك المسائل بطريقة تحدث أثراً في المصريين.
 يعتقد «الإخوان» أنهم يعرفون ما هو الأصلح للبلاد، كما أن المحادثات الماضية مع أعضاء "حزب الحرية والعدالة" – الذراع السياسي لـ «الجماعة» – قد تنبأت باستيلاء الرئيس محمد مرسي على السلطة مؤخراً. وفي وقت سابق من هذا العام، صرح بعض الأعضاء أنه لو كان باستطاعتهم التخلص من بقايا النظام أو أجزاء من البيروقراطية، فإنهم سيكونون قادرين على تحقيق التحول في البلاد بين عشية وضحاها. وهذا بالضبط هو ما حاول «الإخوان المسلمون» فعله في الثاني والعشرين من تشرين الثاني/نوفمبر، عندما منح مرسي نفسه سلطات جديدة. وعلى الرغم من أن «الجماعة» قد رأت هذه الخطوة بمثابة عمل ثوري إلا أن شكل ومضمون قرار مرسي كانا على غرار ما كان يفعله مبارك.
 وسوف يؤكد الجهد اللاحق لتمرير دستور جديد استمرار عدم الاستقرار نظراً لمحتوى مشروع مسودة الدستور وإصرار «الإخوان» على الدفع به من خلال إجراء استفتاء عام، وعودة ظهور حركة معارضة حقيقية على المستويات الشعبية التي فهمت قوة المظاهرات. ومع ذلك، فمن المرجح أن تتم الموافقة على الاستفتاء، ولكن «الإخوان» قد استهانوا بمدى رد الفعل الذي سينتج عن طريقة تصرفهم.
 وعلى الرغم من أن مصر تدخل الآن مرحلة جديدة سيمثل فيها الليبراليون مع بقايا النظام المصدر الرئيسي لمعارضة «الإخوان»، إلا أن المعركة الأوثق صلة من أجل السلطة ربما تكمن بين القوى الإسلامية في البلاد، ولا سيما السلفيون و«الإخوان». فالتعديلات الدستورية التي تخص الشريعة الإسلامية هي مصدر النزاع الرئيسي بين هذه الفصائل وسوف تخلق توتراً سياسياً يصل مداه إلى المؤسسة الدينية.
وكالعادة، فإن الطريقة الوحيدة لبسط السيطرة السياسية في مثل هذا الصراع هي عبر التهديدات والعنف رغم أنه من غير الواضح من سيقوم بتنفيذ إجراءات كهذه في هذه الحالة. فلم تعد للجيش مصلحة في التورط ما لم يتعرض التماسك الاجتماعي للتهديد. وقد اتضح ذلك عندما قام مرسي بتنحية قادة المجلس العسكري الحاكم – المشير محمد حسين طنطاوي وسامي عنان – في 12 آب/أغسطس، وكفل للقادة الجدد حصانة وترقيات والتحرر من عبء حكم مصر بشكل يومي. وحيث إن الجيش لن ينزل إلى الشارع ما لم يكن العنف الهائل وشيكاً، تبقى المعركة حينئذ بين المعارضة و«الإخوان».
وأما الدور الأمريكي في هذا الموقف فهو المجاهرة بلا تردد ضد المبادئ غير الديمقراطية. وقد وقفت الولايات المتحدة على الجانب الصحيح من التاريخ أثناء الانتفاضة ضد مبارك، لذا فلزاماً عليها اليوم الوقوف من أجل الديمقراطية والتسامح واللاعنف والمساءلة وتطبيق القانون على قدم المساواة. ومع ذلك، لا يرى المصريون الولايات المتحدة قوة خيرة ولذا فإن قطع المساعدات أو وضع شروط لها قد يكون ذات نتائج عكسية. وعندئذ، فإن السياسة الأهم هي تجنب التضحية أو المساس بالمبادئ التي تمثل أمريكا.
 
إريك تراغر
تقدم الأزمة الدستورية في مصر ثلاثة دروس عن «الإخوان المسلمين» وطريقة عملهم. أولاً، تسعى «الجماعة» بقوة إلى المصادقة على دستور جديد – وهو هدف قائم منذ فترة طويلة تراه «الجماعة» أساسياً لإضفاء الشرعية على مشروعها السياسي. ثانياً، ينسق «الإخوان» سياستهم وخطواتهم مع مرسي، والعكس بالعكس. ثالثاً، إن مرسي ليس من النوع التصالحي.
لقد سعى «الإخوان» إلى إقامة دستور إسلامي منذ انعقاد مؤتمرهم الخامس عام 1938، ويمثل هذا الهدف أيضاً مكوناً رئيسياً في "مشروع النهضة"، الذي هو برنامج "حزب الحرية والعدالة" من أجل مصر. وفي مقابلة في آب/أغسطس 2010، ادعى مرسي أن الدساتير هي آلية لتحقيق "الحرية". ومع ذلك، فالحرية بالنسبة لـ «الإخوان المسلمين» تعني وجود دولة إسلامية. فهم يرون أي نظام غير إسلامي على أنه مفروض وبالتالي ليس حراً. وحتى لو تم تمرير الاستفتاء الحالي بهامش ضيق فقط، فسيعتقد «الإخوان» أن لديهم التفويض اللازم لمواصلة الانطلاق ببرنامجهم رغم الاعتراضات من المعارضة التي يزيد صخبها يوماً بعد يوم.
وقد أبرزت الأزمة أيضاً التنسيق القوي والمباشر القائم بين «الإخوان» ومرسي. وهذا ليس شيئاً جديداً: فسابقاً اختارت «الجماعة» قائمة من المرشحين الذين عيّن مرسي من بينهم محافظين ورؤساء وسائل الإعلام التي هي تحت سيطرة الدولة، ومؤخراً ادعى أحد مساعديه السابقين أن الرئيس يدير "كل كلمة" وسياسة عن طريق نائب المرشد العام لـ جماعة «الإخوان» خيرت الشاطر. وينسق مرسي وقيادة «الإخوان» حالياً حشد الكوادر لتأييد تحركاته الأخيرة، بما في ذلك استخدام العنف ضد المتظاهرين من المعارضة أمام قصر الرئاسة في 5 كانون الأول/ديسمبر. وعشية ذلك الهجوم التقى أعضاء "مكتب الإرشاد" لـ جماعة «الأخوان» في منزل مرسي في إحدى ضواحي القاهرة لتخطيط ردهم على الاحتجاجات – وهذه حقيقة تم تأكيدها عبر المكالمات الهاتفية مع ثلاثة من القادة الذين كانوا حاضرين.
وأما عما ظهر من كون مرسي ليس من النوع التصالحي فإن هذا لا يمثل مفاجأة بالنظر إلى خلفيته. فقد كان في الفترة ما بين 2007 و 2011 تقريباً، المنفذ الداخلي لـ «جماعة الإخوان»، المسؤول عن طرد الأعضاء الذين خالفوا التكتيكات أو الأيديولوجية المتشددة لـ «الجماعة». وقد كان أيضاً نقطة الاتصال الرئيسية لنظام مبارك مع «الإخوان»، وهو الدور الذي حازه بفضل قدرته على اتباع خطى «الجماعة» دون التنازل عن أي شيء.
وبالمثل، كان مرسي غير راغب في التراجع عن موقفه في الأزمة الحالية، حتى على الرغم من أن الكثيرين من مساعديه من غير «الإخوان» قد خرجوا من فريقه الاستشاري، ومؤيدين سابقين انتقدوا تصرفاته. على سبيل المثال، فإن زعيم حركة "6 أبريل" المعارضة، أحمد ماهر، قد دعمه بقوة خلال الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية وانضم إلى هيئة يسيطر عليها «الإخوان» أنيطت بها مهمة كتابة مشروع مسودة الدستور الجديد. لكنه وبعد أن انتقد الدستور المتعجل الذي أصدره مرسي في 22 تشرين الثاني/نوفمبر، تعرض للجحود من جانب «الإخوان» واتهموه بقيادة "بلطجية" في احتجاجات خارج قصر الرئاسة.
وحالياً، لا تضغط إدارة أوباما على مرسي لأنها لا ترى بديلاً له. وتعتقد أيضاً أن علاقة العمل الجيدة مع مرسي التي قويت خلال مفاوضات وقف إطلاق النار في غزة تمثل أفضل مصدر للنفوذ. غير أن "الربيع العربي" قد أظهر أنه حتى الأنظمة التي تبدو ظاهرياً مستقرة يمكن أن تصبح غير مستقرة بشكل سريع جداً، وهو ما يفسر السبب في أهمية الانخراط بشكل أوسع بدلاً من دعم انتزاع السلطة من قبل أحد الحكام. وعلاوة على ذلك، لا ينبغي أن تتوقع الإدارة الأمريكية أن علاقات مرسي التي يُفترض كونها جيدة مع أوباما ستجعل مرسي مصطفاً مع الولايات المتحدة. فقد أظهر مراراً أنه لن يأبه بحلفائه السابقين، وذلك لتعزيز أجندة «الإخوان» القائمة منذ فترة طويلة. وهو على الأرجح سيفعل الشيء نفسه مع واشنطن بمجرد أن يبدأ في اتباع الأهداف السياسية الخارجية لـ «الجماعة».
 
شالوم كوهين
 لم يبدأ "الربيع العربي" قبل عامين في تونس، بل بدأ حقاً منذ أسابيع قليلة فقط في مصر. فالاحتجاجات الأخيرة في البلاد تمثل جوهر الديمقراطية، حيث هناك تياران سياسيان يتصارعان على الهيمنة. وهذا الصراع هو التعبير الحقيقي لـ "الربيع العربي".
وللمرة الأولى في التاريخ العربي الحديث، لم يدعم الجيش النظام، كما أن المواطنين يتمتعون الآن بالحرية في التعبير عن أنفسهم دون خوف من القمع العسكري. وذلك يترك العالم العربي مع نوعين من المجتمعات: تلك التي لديها حقوق وحريات سياسية، وأخرى التي ما تزال تعيش في ظل أنظمة استبدادية ودول بوليسية. والخطوة الأولى نحو الحرية هي بداية رحلة ستستغرق عدة سنوات للاكتمال، لكنها ستنتهي بعالم عربي مختلف عما نعرفه الآن.
لقد جاء الرئيس مرسي إلى السلطة مدعياً أنه سيهتم بجميع المصريين. ومع ذلك، فعلى مدى الأشهر الخمسة الماضية استمرت حالة البلاد في التدهور. فالنظام أكثر تركيزاً على "الأخونة" من على الشعب. ولو كان قد فهم الطبيعة الكاملة للتطلعات السياسية للشعب بصورة أفضل لكان قد تصرف على نحو مختلف. وعوضاً عن ذلك، لا يواجه النظام الكثير من الصراع ضد مرسي نفسه، بل معركة أوسع ضد طغيان جديد.
ومن جانبها فإن إسرائيل لديها مبدآن صارمان يوجهان سياستها نحو مصر الجديدة. الأول هو عدم التدخل في السياسة الداخلية للدول المجاورة – فمنذ الاطاحة بمبارك، امتنعت الحكومة الإسرائيلية عن الإدلاء بأي تصريحات في وسائل الإعلام أو المحافل الدولية التي يمكن أن ينظر إليها على أنها تدخل إسرائيلي في الحياة السياسية في مصر. والثاني تأكيد إسرائيل على أهمية الحفاظ على معاهدة السلام، وانتهاز أية فرصة لتكرار هذا الموقف علناً وسراً.
وحتى الآن لم تتضرر العلاقة الإسرائيلية المصرية مادياً جراء التغير الذي حدث في الأنظمة، على الأقل على مستوى العمل، حيث يستمر الحوار والعلاقات اليومية بين مسؤولي الدفاع والشؤون الخارجية والاستخبارات في البلدين. ومع ذلك، لا يمكن القول الشيء نفسه عن أعلى مستويات الحكومة حيث لا يوجد حوار بين مرسي والقادة الإسرائيليين حول القضايا الثنائية أو النزاع الإسرائيلي- الفلسطيني. ونظراً لهذا الوضع فإنه يجب على إسرائيل أن تظل يقظة لضمان أن القاهرة تنتهج نهجاً عملياً تجاه العلاقات الثنائية، خاصة فيما يتعلق بمعاهدة السلام.

معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى