من الثورة إلى الحرب: الدم السوري في المزاد (فاروق يوسف)

  

فاروق يوسف

كان حديث بعض المعارضين السوريين عن حجم الضغوط الخارجية الذي يتعرض لها الأئتلاف السوري المعارض صادما بطريقة تدعو إلى الاحباط. لقد وضعنا ذلك الحديث المراوغ أمام احتمالين: اما أن يكون ذلك البعض بريئا يغفر له انتسابه العفوي والعابر والمؤقت إلى عالم السياسة والذي يصدر عن حماسة وطنية وانفعال ثوري وإنساني أو أن ذلك البعض كان يسعى إلى اخفاء وجهه المريب والمخادع وراء قناع من البراءة المتهالكة. في الحالين فان الحقيقة تظل واحدة. فالحرية التي كانت عنوانا للحراك الشعبي الذي بدأ سلميا منذ أكثر من سنتين في سوريا قد تم التفريط بها ما أن بدأت عمليات التمويل الخارجي، التي رست مناقصتها على قطر. يومها بدا واضحا أنه صار للثورة مَن يرعاها ماليا. الجهة التي تتكفل بتوفير وسائل الدعم والاسناد الماديين من أجل أن تستمر الثورة. ولقد قيل أن قطر قد انفقت حوالي ثلاثة مليارات دولار في هذا المجال الاستثماري غير الآمن والذي ما كان من الممكن الاستمرار فيه من غير وجود وسطاء مريحين يضمنون استعمال تلك الأموال بطريقة ربحية.
لقد تحقق مفهوم الوساطة التي يقدمها البعض على أساس كونها شراكة في اللحظة التي انتقل فيها الحراك الشعبي السوري من منطق الثورة إلى منطق الحرب المسلحة. فللحرب صفقاتها وتجارها ووسطاؤها ووسائل اعلامها وشركاتها الأمنية والنافخون في أبواقها وهو ما لا تحتاج الثورة الشعبية إليه في أي مسار من مساراتها.
من الطبيعي في خضم ذلك التحول الخطير أن يبرز من بين أوساط المعارضة السورية مَن يمتلك الكفاءة المهنية التي تؤهله للقيام بدور ذلك الوسيط الذي يعرف كيف يدير الأموال، بالطريقة التي تضمن مصلحة الطرفين: الممول والمستفيد. وإذا ما عرفنا أن مصلحة المستفيد تكمن في الحصول على الاموال اللازمة لشراء الاسلحة والادوية والأغذية ودفع رواتب المقاتلين وسواها من مقومات الصمود في الميدان، فان مصلحة الممول لا يمكن أن تتحقق من غير أن تكون له سيطرة تامة على الموقع الذي يتم من خلاله اتخاذ القرار السياسي. في الحالة السورية فان ائتلاف قوى المعارضة هو ذلك الموقع. ولم يكن خافيا على أحد الدور المؤثر الكبير الذي كانت قطر قد لعبته في تشكيل ذلك الائتلاف واختيار أعضائه. لقد ضمنت قطر عن طريق تركيبة الائتلاف استمرار هيمنتها على القرار السوري المعارض.
ومع ذلك فان أحدا من المعارضين السوريين لم يجرؤ على انتقاد الدور القطري المتعاظم الذي انحرف بالثورة السورية عن مسارها وحولها إلى حفلة قتل. وفي هذا المجال تعد تصريحات الشيخ معاذ الخطيب وميشيل كيلو استثناء مفاجئا وسط الصمت الذي يحيط بأصحاب الأصوات العالية. فالجميع يعرف أن سطوة قطر انما هي انعكاس للدور الذي لعبته أموالها في تكريس قوى المعارضة السورية، سواء في الحرب المباشرة أو على مستوى المحافل السياسية وبالأخص في الجامعة العربية.
إن كل خطوة نجحت قوى المعارضة السورية في تثبيتها يمكن ارجاعها إلى قوة المال القطري. طبعا تضحيات سوريو الداخل كانت ولا تزال موجعة في هذا المجال.
لذلك كان صعبا على الائتلاف وهو يعقد مؤتمره في اسطمبول أن يتخذ قرارات من شأن تنفيذها أن يؤدي إلى الحاق الضرر بقدرة قطر على الهيمنة عليه. بالنسبة للمطلعين على خبايا الأمور فان الصفقة القطرية هي الصفقة الوحيدة المضمونة، من جهة قابليتها على الاستمرار في ضخ الأموال. سيبرر المعارضون ذلك الرضوخ بانه نوع من السلوك العملي تمليه عليهم رغبتهم في حماية الثورة من النضوب والجفاف، غير أن ذلك يعني في الوقت نفسه أننا نقف في مواجهة خطاب ثوري زائف يتاجر بدماء السوريين مثلما تاجر خطاب النظام المقاوم والممانع بحريتهم وكرامتهم.

ميدل ايست أونلاين

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى