إحذروا حصان طروادة ( 2 )

خاص بموقع ( بوابة الشرق الأوسط الجديدة )

رأينا في المقال السابق كيف أننا أدخلنا حصان طروادة الذي وضعوه لنا أعداء الإنسانية إلى حصوننا وتعرفنا بشكل مختصر على مفهوم الغزو الفكري ، وعاينّا عن قرب كيف أن هذا الإسلوب من الحرب الناعمة كفيروسات تنخر عظام الأمة من الداخل ويجعلها تتهاوى فريسة في شباك غازيها بل وتسوق الإنسان معصّب العينين إلى حيث يريد سائقه !! إلى أين ؟؟ إلى رحلة ضياع وتشتت !! ذلك بأن الإنسان هو اللبنة الأساسية في صناعة الأمم و يضيع وتضيع الأمم بضياعه وضياع أخلاقه ورحم الله أحمد شوقي عندما قال بيته المشهور:

إنما الأمم الأخلاق ما بقيت فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا

إذن فخطورة الغزو الفكري تكمن في إسلوب تسلّله إلى العقل دون أن نشعر وبدون أي مقاومة منّا إذ لا حاجة لذلك فهي ليست حرب مباشرة يكفي أن يضعوا عصابة سوداء على العقل فنسير في طريق التبعيّة لهم والإعجاب بهم والتقليد الأعمى لكل تصرفاتهم ولكل الحريات اللاأخلاقية التي يصدّرونها إلينا !!

ولكن مهلاً هل يعني هذا أن نقوم ببناء سدود بيننا وبين الثقافات والحضارات الأخرى ؟؟ بالطبع لا !!

علينا أن نعلم أن هناك فرق كبير جداً بين الغزو الفكري وبين التفاعل الثقافي !!

الغزو الفكري عبارة عن قوي يفرض نموذجه الفكري والثقافي على الضعيف ،بينما التفاعل الثقافي هو السعي بإرادة مستقلة لتبادل العلم والخبرات من كلا الطرفين ؛ فهناك علوم وحقائق وقوانين محايدة وعالمية لا تتغاير بتغاير الحضارات كالطب و الهندسة والرياضيات والبرمجيات …. الخ ، وفي هذه المجالات وجب علينا الانفتاح وتبادل الثقافات ومعرفة أين وصل العلم فيها ؛ فقمة الإبداع والذكاء أن تبدأ حيث اِنتهى الآخرون وتزيد عليها !! إذ ما المانع أن تكون هناك بعثات للخارج لمعرفة ذلك سواءً أفراد أوجماعات أو أي إسلوب آخر للتفاعل الثقافي يجعلنا ننهض بأمتنا ويساهم في عودة إبداعاتنا من جديد ؟؟

إذن نحن ضد الإنغلاق التام وخاصة في ثورة التكنولوجيا التي اِقتحمت مغاليق الأبواب والنوافذ ” فالإنغلاق التام كمثل إنسان أضرب عن الطعام وعاش على بقايا ما لديه من قوة فما تلبث إلا أن تنفذ وتتلاشى ويذبل هو حتى الموت !!”

إذن فالانفتاح على الثقافات الأخرى أمر هام ؛ لكن في الوقت ذاته لا نسمح لرياح أفكارهم و خاصة المسمومة منها أن تقتلع جذور هويتنا وآصالتنا وتمنع بصمتنا الحضارية الخاصة بنا، ولن تخدعنا مسمياتهم بعد الآن .. فمثلاً زرعوا في عقولنا ما يسمى بالتربية الحديثة فاختفى الحياء والإحترام عند أولادنا ، كما أطلقوا على الإباحيات حقوق طبيعية وشخصية فانتشرت الفواحش وتدمرت عقول وبيوت !!

والخلاصة أننا نريد أن نسير على خطى أجدادنا في انفتاحهم وتفاعلهم مع الثقافات الأخرى فعلى سبيل المثال : في عهد الفتوحات الاسلامية تبنّى سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه ” تدوين الداواوين ” وهي خبرة إدارية بيزنطية ، كما اِهتم أسلافنا بالترجمة وخاصة بالعلوم المفيدة كالطب والكيمياء والرياضيات …الخ وأضافوا إليها إبداعهم الذي شهد لهم بها الغرب وأساتذة الاستشراق؛ إذن فهو الانفتاح على العالم وعلى تطوره وتقدمه لكن بوعي كامل و مع التصفية والغربلة لكل ما ينافي ديننا وعقيدتنا وأخلاقنا ويمحو هويتنا وآصالتنا العريقة … لكل مايريد أن يحولنا إلى ( هامش ) حضارة …. لكل ما يهدف الى إختلافنا وتمزقنا فيما بيننا .. لكل ما يهدف إلى تدمير عقولنا وبيوتنا وأوقاتنا .. لكل ماهو داخل حصان طروادة !!!

وختاماً أتلمّس سبل صحوة حقيقة و إبداعات عظيمة وتنوير ثقافي يعم كافة شعوبنا؛ سبل نشق طرقاتها و نتجاوز عقباتها معاً ونساهم فيها ونضع بصماتنا إيذاناً بشروق شمس نهضة جديدة لأمتنا لطالما إنتظرناها طويلاً !!

لكم مني أطيب التحيات

* مدربة تنمية بشرية

www.facebook.com/lmatteet

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى