صفقة الأسلحة المصرية مع روسيا: التكاليف الاستراتيجية المحتملة (ديفيد شينكر و اريك تراجر)

 

ديفيد شينكر و اريك تراجر

مع دخول الأزمة في أوكرانيا أسبوعها الثاني، يقارن المصريون بين دعم واشنطن للثورة الشعبية التي أطاحت بالرئيس فيكتور يانوكوفيتش وانتقاد الولايات المتحدة لانقلاب العام الماضي في القاهرة. إن المشاعر السائدة – المتمثلة في افتتاحيات الصحف اليومية الرائدة في مصر – هي أن الولايات المتحدة تفتقر إلى الاتساق في المواقف والموثوقية.
وفي الشهر الماضي، دفعت حالة انعدام الثقة هذه قائد الجيش المصري عبد الفتاح السيسي إلى اختيار روسيا كوجهة لأول زيارة له إلى دولة غير عربية منذ الإطاحة بالرئيس الإسلامي محمد مرسي في تموز/يوليو. وفي أعقاب ذلك الانقلاب، قامت الولايات المتحدة بتعليق نقل بعض الأنظمة العسكرية إلى مصر، الأمر الذي دفع السيسي إلى طلب مساعدة موسكو لتنويع مصادر البلاد من المشتريات العسكرية. ووفقاً لعدة تقارير، وقّع قائد الجيش المصري على صفقات لشراء أسلحة بقيمة ملياري دولار من روسيا خلال زيارته لموسكو في 12-13 شباط/فبراير. وفي المرحلة القادمة، يمكن أن تؤدي مبيعات الأسلحة هذه إلى إضعاف الميزة العسكرية النوعية لإسرائيل وتصبح عامل إثارة آخر في العلاقات الأمريكية المصرية.
الخلفية
 منذ عام 1979، أمدت الولايات المتحدة مصر بتمويل بلغت قيمته نحو 70 مليار دولار، ذهب أكثر من نصفه إلى شراء معدات عسكرية أمريكية. وتمثل المساعدة الأمنية الأمريكية، التي بلغت قيمتها 1.3 مليار دولار سنوياً، 80 في المائة من ميزانية المشتريات السنوية للجيش المصري. وبالإضافة إلى توحيد ترسانة القاهرة من الأسلحة وتعزيز إمكانية التعاون البيني مع الولايات المتحدة، فإن مبيعات الأسلحة تمنح واشنطن درجة محدودة من النفوذ السياسي على – ونظرة ثاقبة داخل – المؤسسة المصرية الأكثر الأهمية المعروقة بغموضها.
وللوهلة الأولى، يبدو أن شراء القاهرة للأسلحة الروسية غير ضروري وربما محفوفاً بالمخاطر في ضوء التزامات أمريكا المالية المستمرة تجاه مصر، والتي ظلت قائمة منذ اتفاقيات كامب ديفيد عام 1978. بيد أن القيود التي فرضتها واشنطن عقب الانقلاب على العديد من النظم العسكرية الرئيسية دعت إلى الحاجة لوجود مورد إضافي. ومن بين النظم الأخرى، علّقت إدارة أوباما لأجل غير مسمى تسليم أربع طائرات إف 16، وخمس نظم صواريخ "هاربون" سفن – سفن وعشرات من أطقم دبابات "أبرامز إم وان أيه وان" ("M1A1") المقرر أن يتم تجميعها في مصر، و- الأهم من ذلك – علقت تسليم عشرة مروحيات "أباتشي" هجومية.

التركيز على المروحيات

وبالنسبة لمصر، يمثل الحصول على مروحيات إضافية من طراز "أباتشي" أهمية جوهرية في ظل مواجهة تمرد إسلامي ناشئ في شبه جزيرة سيناء. ويبدو أن المروحيات الأمريكية هي نظام القاهرة المفضل في حملتها لمكافحة الإرهاب في سيناء، إلا أن توافرها قد يشكل صعوبة. وتعمل جداول الصيانة الدورية عادة على تعطيل أكثر من ثلث قوتها الحالية البالغة خمس وثلاثين مروحية "أباتشي". ومما زاد الأمور تعقيداً أن مصادر في وزارة الدفاع المصرية ذكرت أن تحذيرات السفر التي أصدرتها وزارة الخارجية وعمليات الإخلاء المتفرقة والمؤقتة للأفراد الأمريكيين "غير الضروريين" من مصر قد أعاقت الصيانة المستمرة اللازمة التي يقدمها المقاولون الأمريكيون.
ولم تتأكد بعد تفاصيل اتفاقات شباط/فبراير مع موسكو، لكن التقارير الصحفية المصرية تشير إلى أن المروحيات الهجومية من طراز "روستفيرتول إم أي 35" و/أو طائرات الهليوكوبتر من طراز "إم أي 17" متعددة الأغراض هي جزء من الصفقة. ولدى مصر بالفعل 100 من هذه الطائرات إلى جانب مروحيات "إم أي 8" الأقدم التي تعود للحقبة السوفيتية، والتي تشتمل على إمكانيات لنقل القوات والشحنات وأجهزة إشارة واستخبارات فضلاً عن طائرات هجومية، والأخيرة مجهزة بمدافع من عيار 23 مم وقادرة على حمل قنابل سعة 500 كجم وصواريخ موجهة مضادة للدبابات. وتعمل بعض هذه الأنظمة في سيناء ؛ ففي أواخر كانون الثاني/يناير، على سبيل المثال، استخدم متشددون إسلاميون صواريخ دفاع جوي محمولة (MANPAD) لإسقاط طائرة من طراز "Mi -17" أفادت التقارير أنها كانت في مهمة استطلاعية فوق شبه الجزيرة، مما أسفر عن مقتل خمسة جنود مصريين.

مشتريات أكثر إثارة للجدل

لا ترغب واشنطن أو إسرائيل في إثارة مشاكل حول نقل مروحيات روسية إضافية، حيث إن هناك إجماع عريض بأن جهود مكافحة الإرهاب في سيناء التي تضطلع بها مصر قد تستفيد كثيراً من مثل تلك المعدات. بيد أن هناك بنود على قائمة المشتريات المعلنة لمصر هي أكثر إثارة للجدل. على سبيل المثال، أفادت التقارير أن القاهرة تسعى للحصول على أنظمة دفاع جوي من موسكو – يحتمل أن تشمل صواريخ متطورة من نوع S-300 – وكذلك طائرات مقاتلة من طراز ميغ وأسلحة مضادة للدبابات من نوع كورنيت.
لقد مارست واشنطن وإسرائيل على مدار عقود ضغوطاً على روسيا لعدم نقلها صواريخ "إس 300" إلى إيران، خشية منها من أن تحول تلك القدرات المتطورة التي ستملكها طهران دون شن ضربة استباقية ضد مرافق الأسلحة النووية الإيرانية. وفي حرب لبنان 2006، قام «حزب الله» باستخدام صواريخ "كورنيت" التي تبرعت بها سوريا بفعالية كبيرة ضد المدرعات العسكرية الإسرائيلية. ومن الواضح أن مصر لا تشكل ذلك النوع من التهديد الذي تمثله كل من إيران و «حزب الله» – فقد أوفت القاهرة بالتزاماتها تجاه معاهدة السلام مع إسرائيل لأكثر من ثلاثة عقود. بيد أنه حال نقل هذه النظم المتطورة إلى مصر فإنها سوف تضعف الميزة العسكرية النوعية لإسرائيل. وفي ضوء سجل مصر الشائن في انتهاك "قانون الرقابة على صادرات الأسلحة الأمريكية"، فإن فكرة إمكانية إقامة فنيي طائرات "ميغ" الروس في نفس القواعد التي توجد بها طائرات "إف 16 إس" أمريكية الصنع لا تبعث على الثقة.
ومبعث القلق الآخر هو رغبة المملكة العربية السعودية المتزايدة في استخدام سخائها للإعراب عن استيائها من واشنطن. فالرياض، إلى جانب الإمارات العربية المتحدة، تتكفلان بشراء الذخائر الروسية لمصر. وهذا الإسهام يأتي عقب إعلان المملكة في كانون الأول/ديسمبر بأنها سوف تمد "القوات المسلحة اللبنانية" – التي تم التعهد سابقاً بأن واشنطن ستتكفل بمعظم ميزانية مشترياتها – بمبلغ 3 مليار دولار لشراء أسلحة فرنسية. إن قرار الرياض تمويل شراء أسلحة روسية وفرنسية بقيمة 5 مليار دولار لعملاء تقليديين للولايات المتحدة يعد إشارة واضحة على استياء السعوديين من السياسة الأمريكية بشأن قضايا إقليمية حساسة، ولا سيما إيران وسوريا ومصر. إن مواصلة الاستياء بين الولايات المتحدة والسعودية قد يمكِّن القاهرة من شراء نظم أسلحة غير مسبوقة ومتقدمة للغاية ومثيرة للجدل رغم اعتراضات واشنطن وإسرائيل.

وجهة النظر المصرية

يُصر القادة السياسيون والعسكريون المصريون على أنه ليس لديهم أي مصلحة في تخفيض العلاقات مع واشنطن، ويعترفون بأن مصر لا تستطيع أن تستبدل على الفور اعتمادها على الأسلحة الأمريكية حتى لو كانوا يميلون إلى ذلك. لكن ردود الفعل الإعلامية المصرية على زيارة السيسي لموسكو تشير إلى أن القاهرة تحظى بدعم قوي لتنويع جهات توريد الأسلحة إليها. إن انتقاد واشنطن المحدود جداً لـ «الإخوان المسلمين» أثناء العام الذي قضوه في الحكم، إلى جانب تكثيف موجة نظريات المؤامرة بشأن دور الولايات المتحدة في مصر عزز بشدة المناخ السياسي المناهض للولايات المتحدة والذي قد يرحب بالابتعاد عن واشنطن. وعلاوة على ذلك، فإن دعم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الواضح لرئاسة السيسي المحتملة أشعل الحماس الشعبي لبناء علاقات أقوى مع موسكو، لا سيما في صفوف الكتلة الحساسة من المصريين الذين أيدوا انقلاب تموز/يوليو. وفي بعض الدوائر، تمت مقارنة تواصل السيسي مع روسيا بتوجه الرئيس السابق جمال عبد الناصر نحو الاتحاد السوفيتي في خمسينيات القرن الماضي. وفي الواقع، وصفت بوابة الأخبار المصرية "اليوم السابع" بيع الأسلحة الروسية بأنه "إعادة التوازن" للعلاقات الدولية و"ثورة ضد سياسات واشنطن."
 ومع ذلك، فبخلاف تلك المشاعر الشعبية، يرى بعض المحللين المصريين أن الميل نحو روسيا – حتى لو كان تدريجياً – يعكس المصالح الاستراتيجية لبلادهم. على سبيل المثال، قال السفير المصري السابق لدى روسيا والإعلامي البارز رؤوف سعد إن الحكومتين تشاطران رؤية مشتركة لمكافحة الإرهاب، وأن علاقة موسكو الوثيقة مع إثيوبيا ستساعد القاهرة على معالجة المخاوف بشأن بناء "سد النهضة" على النيل. كما ذكر المسؤولون العسكريون المصريون أن عدم فرض روسيا لشروط على مبيعات الأسلحة يجعلها شريكاً أكثر موثوقية من واشنطن، التي حظرت مؤقتاً [تصدير] الأسلحة ريثما يحصل إصلاح سياسي. بيد أن هؤلاء المسؤولين وغيرهم يؤمنون إلى حد بعيد بأن استمرار العلاقة مع الولايات المتحدة – رغم العثرات الأخيرة – يظل مصلحة استراتيجية لمصر، ولا يؤيدون تحولاً كاملاً بعيداً عن واشنطن.

الخاتمة

على الرغم من التطمينات من المسؤولين المصريين، إلا أن صفقة الأسلحة الروسية – حال إتمامها – تنذر بتخفيض تدريجي لقدرة واشنطن على السيطرة على نوعية وكمية الأسلحة التي تحصل عليها القاهرة، وعلى الحفاظ على التفوق العسكري النوعي لإسرائيل في المنطقة. وإذا كانت مصر تنوي في واقع الأمر الحصول على نظم تغير قواعد اللعبة مثل نظام الصواريخ "إس 300" وصواريخ "كورنيت"، ينبغي على واشنطن أن تحذر القاهرة من المخاطر التي تشكلها تلك المشتريات على المساعدات الأمنية الأمريكية والعلاقات الثنائية الأوسع. ويقيناً، إن التعاون الاستراتيجي ومستوى الثقة بين إسرائيل ومصر، وخاصة حول سيناء، لم يكن أفضل مما هو عليه الآن. لكن تغير الوضع القائم قد يقوض من تلك الثقة وربما حتى معاهدة السلام التي تم التوقيع عليها في "كامب ديفيد".
 وعلاوة على ذلك، إن التمويل السعودي لمشتريات الأسلحة المصرية قد أفسد سياسة واشنطن القائمة على ربط المساعدات العسكرية بالإصلاح السياسي. وعلى أي حال، فنظراً لأن القيادة الحالية لمصر ترى أن الصراع مع جماعة «الإخوان» والتمرد الجهادي المتنامي في شبه جزيرة سيناء يشكلان تهديداً وجودياً، فإن مساعي الولايات المتحدة لاستخدام مبيعات الأسلحة كورقة ضغط لاتباع أسلوب أكثر شمولية في الحكم من غير المرجح أن يكتب لها النجاح. وفي حين أن إدارة أوباما قد حالفها الصواب في انتقاد سياسات القاهرة القمعية، فإن استمرار حجب المعونات العسكرية لن يحقق الديمقراطية في مصر، وقد ينطوي على تكاليف قصيرة الأجل لبعض المصالح الاستراتيجية لواشنطن.

معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى