حزامة حبايب تحوز جائزة نجيب محفوظ برواية فلسطين

«أنا حزامة حبايب؛ إنما أستعيد البلاد وناس البلاد بالحكاية. أنا في كل حكاية، أعود إلى وطني. قد لا أكون منتصرة، لكنني بالتأكيد أكون مهزومة أقل. فالمجد للحكاية، المجدُ كل المجد للحكاية». هكذا استقبلت الفلسطينية حزامة حبايب نبأ فوزها بجائزة نجيب محفوظ للأدب لعام 2017، عن روايتها «مخمل»، (المؤسسة العربية للدراسات والنشر ومكتبة كل شيء)، والذي أعلنته الجامعة الأميركية في احتفال في القاهرة مساء أول من أمس. ويواكب إعلان اسم الفائز بهذه الجائزة سنوياً؛ ذكرى ميلاد الأديب المصري نجيب محفوظ، الفائز بجائزة نوبل في الآداب لعام 1988، وتتكون من ميدالية فضية و1000 دولار، إضافة إلى ترجمة الرواية الفائزة إلى الإنكليزية ونشرها.

ويكتسب فوز كاتبة فلسطينية بالجائزة أبعاداً دالة في ظل تجدد انتفاضة الفلسطينين، بعد إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب اعترافه بالقدس عاصمة لإسرائيل. وحضر مراسم تسليم الجائزة حشد من المثقفين تقدمتهم السيدة أم كلثوم، ابنة نجيب محفوظ، وهي الوحيدة المتبقية من أسرته على قيد الحياة، بعد وفاة والدتها عام 2016 ثم شقيقتها، قبل بضعة شهور.

اعتبرت حزامة حبايب المولودة في الكويت، الجائزة مكافأة؛ «على رحلة متواصلة من الكتابة كحاجة تُستشعَر أكثر ما يمكن عند توقف الكتابة أو انقطاعها في لحظات يأس أو ضجر أو عجز أو تكاسل أو كآبة». وأضافت في كلمة ألقتها في حفلة تسلمها الجائزة أنه؛ «في هذه الحالات، فإن العودة إلى المحفوظيات تبدو أمراً ملحاً؛ كي أتذكر أن الكتابة لم تعد خياراً. لقد كرس نجيب محفوظ حياته على نحو شبه كامل لفعل الكتابة كي ينتج حياة روائية بحجم الحياة، وأنا قررتُ منذ زمن أن أعيش الكتابة وأعيش فيها حتى وإن انتزعتُ هذا العيش انتزاعاً».

وجاء في نص كلمة حبايب: «اليوم أقف هنا لأحتفل معكم بالحكاية، كأرقى وأرق ما يمكن أن يكون عليه فعل الكتابة، وكأشقى ما يمكن أن يستتبع عن هذا الفعل… «مخمل» هي رواية عاشقة ومعشوقة، المرأة التي وإن أنهكها الضيم والمرارات وأزقة الحياة الوعرة وجبروت الرجال الذين نخرتهم هزائم التاريخ، فإنها تتقن صنع الحب والموت كُرمى للحب، ونساء «مخمل» قادرات على اقتناص البهجة من وسط القهر، وهنّ يتشهّين الطعام والأقمشة المترفة وينتظرن رجلاً واحداً ووحيداً حتى ضمن فضاء عريض من البؤس والانتهاك والكبت عنوانه المخيّم». وقالت حزامة حبايب كذلك: «أنا امرأة بلا وطن؛ ورثتُ مِن أبي الفلسطيني حكاية ناقصة عن بيت كان لنا ذات وطن. ولدتُ ونشأتُ في بيت المنفى، بيت حاولنا أن نجعله يشبه بيتاً كان يمكن أن يكون لنا في الوطن، بيت مليء بحسنا وحواسنا، بهمسنا، بوشوشاتنا؛ بضحكاتنا التي تعالَقت مع عَرق أكفِنا على الحوائط؛ بنشيجنا الخافت الذي طرّز أرقّ الليالي. ثم راح البيت في حرب، كالعادة، نحن ضحاياها الموعودون. حوائطنا تهاوت، وأشياؤنا الكثيرة التي نحسبها لا غنى عنها لوجودنا ضاعت. كل شيء ضاع… خشب الذكريات والملابس التي كانت تتمدّد على أجسادنا بمقدرة قادر، وروزنامات السنوات التي كنا نحتفظ بها لصور الطبيعة المترفة فيها، وأشياء كثيرة غير ذات صلة. سأواصل العيش. سأواصل كتابة الحكاية. وسأمضي، ما استطعت المضي، في طريق الحياة الطويلة، وقد أقع في الطريق؛ أعرف ذلك، لكنني أعرف أيضاً أنني سأنهض، وسأجمع أشلاء الأيام وبقايا الوجوه الذائبة وصدى الأصوات وأبخرة العواطف المتبددة، والقليل من عبرة التيه والخسارة، وأصوغها بأقل مقدار ممكن من البلاغة؛ حكايةً تشبه وطناً حقيقياً متحققاً».

وتابعت حبايب: «أنا بالحكاية أرسم خريطة العودة إلى وطني؛ إلى بيت هناك كان لي ذات وطن؛ إلى بيت هناك سيكون لي ذات وطن. أنا حزامة حبايب، ابنة اللاجئ حامد محمد حبايب، الذي غادر قريته الفلسطينية طفلاً في السابعة، ممسكاً يدَ أمه، لاهياً عن مآل البلاد، غير واع أنه استحال رمزاً لأكبر نكبات العصر».

ويشار إلى أن حزامة حبايب ولدت ونشأت في الكويت ودرست في جامعتها وتحديداً في قسم اللغة الإنكليزية في كلية الآداب، ثم اشتغلت بالصحافة، وعقب الغزو العراقي في الثاني من آب (أغسطس) 1990 غادرت إلى الأردن؛ لتكتسب هناك شهرتها ككاتبة قصة قصيرة.

وبعد أربع مجموعات قصصية نشرت حبابة روايتها الأولى؛ «أصل الهوى» عام 2007، وفي عام 2011 نشرت روايتها الثانية «قبل أن تنام الملكة»، التي اعتبرها بعض النقاد «ملحمة روائية تتناول اللجوء الفلسطيني»، وتعتبر رواية «مخمل» عملها الروائي الثالث، كما أن لها ديوان شعر عنوانه «استجداء».

وتضم لجنة التحكيم هذا العام الدكتورة تحية عبدالناصر، أستاذ الأدب الإنكليزي والمقارن في الجامعة الأميركية في القاهرة؛ والدكتورة شيرين أبوالنجا، أستاذ الأدب الإنكليزي بجامعة القاهرة؛ الدكتورة منى طلبة، أستاذ مساعد الأدب العربي بجامعة عين شمس؛ وهمفري ديفيز، المترجم المعروف للأدب العربي والدكتور رشيد العناني، أستاذ فخري للأدب العربي الحديث في جامعة إيكستر.

ورأت لجنة التحكيم أن رواية «مخمل»؛ «تتناول الفلسطينيين الذين تمضي حياتهم، مِن دون أن يُلتفَت إليهم، في حين تحتل الدراما السياسية مركز الصدارة».

وجاء كذلك في حيثيات الفوز: «تتميز رواية «مخمل» بلغة غنية وبتعاطفها مع موضوعها. يولّد هذان العنصران وصفاً دقيقاً لمشقة الحياة، لكنه يتدفق بحساسية ورقة. تعزى البطولة في هذه الرواية إلى شعرية ومهارة العزف على أوتار الكلمات، وإطلاق الصور مجنّحة الخيال، وتوازن إيقاع الجمل، محكمة البناء. أنت تقرأ رواية «مُخمل» وكأنك ترى لغتك بهية زاهية ترقص وتشدو. تتخذ حوا من نسيج المخمل موتيفة تتلون بدلالات عدة لتقيها من السقوط في هاوية اليأس والجنون، فيتحول المخمل إلى هدف، وحلم، ووسيلة ورؤية وتاريخ وموطن للعيش والحلم والأمل. وفضلاً عن ذلك تقدم حبايب رؤية جديدة للمخيمات الفلسطينية بلغة عذبة ناعمة مثل المخمل».

ودار نشر الجامعة الأميركية في القاهرة، هي الناشر الرئيس لأكثر من 50 عملاً أدبياً مترجماً إلى اللغة الإنكليزية لنجيب محفوظ، والمسؤول عن نشر أكثر من 6000 طبعة باللغات الأجنبية الأخرى لأعمال محفوظ التي ترجمت إلى 40 لغة في كل أنحاء العالم. وتنشر الجامعة نفسها إضافة إلى ذلك، 60 عملاً جديداً سنوياً وأكثر من 700 عمل في المكتبات. وفتحت دار النشر في الجامعة باب التقدم لجائزة نجيب محفوظ لعام 2018 حتى 15 شباط (فبراير) المقبل؛ على أن تكون الرواية نشرت باللغة العربية خلال عام 2016 أو عام 2017 ولم تترجم إلى اللغة الإنكليزية.

صحيفة الحياة اللندنية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى