من وثائق الفن السوري : لماذا اتجهت إلى التمثيل؟!

يتابع الفنان الرائد الكاتب والمخرج علاء الدين كوكش نشر أجزاء من تفاصيل حياته الثقافية والفنية، من خلال أوراق محفوظة لديه، وينشرها على صفحته على موقع الفيس بوك ، وقد كتب الفنان كوكش النص التالي في 23 شباط 2006 الساعة: 23:51 م ..ويشير إلى أن صديقه محمد منصور كتب له على ورقة عدة أسئلة…. وكان من ضمنها هذا السؤال: لماذا اتجهت إلى التمثيل؟!

وجاءت الاجابة في النص التالي الذي ينشر لأول مرة كما يوحي من كلامه :

****
هناك قصة طريفة لاتجاهي نحو التمثيل في وقت متأخر.

كان ذلك في العام 1994 وكنت قد انتهيت من تصوير مسلسل “أبو كامل” للدكتور الصديق فؤاد شربجي،الجزء الثاني،حين أتى إلى سورية منتج إيراني ومخرج إيراني معروف وهو سيف الله داد…قاما بجولة استطلاعية لأماكن تصوير فيلمهم “المتبقي” وهو مأخوذ عن القصة الشهيرة لغسان كنفاني “عائد إلى حيفا” ، ورافقهم في الجولة الملحق الثقافي في السفارة الإيرانية….. وحين اتخذوا قرارهم بالتصوير في سورية لتشابه الجغرافيا والبيئة مع جو القصة ،اختاروا للعمل معهم مديرا للإنتاج من سورية وهو الأستاذ نقولا نصر، وكانت الخطوة التالية المهمة اختيار الممثلين.

وأخذ الأستاذ نقولا يطلعهم على صور الممثلين كخطوة أولى ، وكان من ضمن الصور مجموعة صور لفريق الممثلين في مسلسل أبو كامل إذ كان هو مديرا للإنتاج في هذا المسلسل …..فجأة توقف المخرج سيف الله عند صورة كانت تضمني مع بعض الممثلين أثناء بروفات ما قبل التصوير وأشار المخرج بإصبعه نحوي….ضحك نقولا وأجاب بأنني مخرج ولست ممثل ، ولكن إصرار المخرج دفع نقولا إلى الإجابة بأنه سيطرح الأمر علي ، وكان واثقا من إجابتي بالرفض إذ لم يسبق لي وقد أخرجت عشرات الأعمال الدرامية وفي مختلف البلدان العربية أن فكرت بهذا الأمر….. ولكنه فوجئ كما فوجئت أنا بجوابي حين روى لي الحكاية، أنني قلت: ولم لا…إذا أعجبتني الشخصية وأحببتها….فلم لا؟!

ظهرت الدهشة على وجه نقولا وأعاد التأكد من جوابي ، وكنت أنا أيضا دهشا من تأكيد جوابي………

أتى المخرج سيف الله داد بعد ذلك وزارني في موقع تصوير أحد الأفلام التلفزيونية الثلاثة التي التي قمت بتصويرها بعد مسلسل (أبو كامل) وهي من كتابتي وإخراجي… (لا، لن ترحل، والقلب يحكم أحيانا)، وقمت بتصوير شخصية أحببتها في فيلم “المتبقي” كما أحبها الناس أيضا بعد ذلك حين شاهدوا الفيلم… ونلت شهادة تقدير على أداء هذا الدور من مهرجان دمشق السينمائي التاسع1995….وحين نادوا باسمي في مسرح قصر المؤتمرات كي أصعد وأستلم شهادة التقدير… كنت أحس وأنا أذهب إلى منصة المسرح، مع تصفيق الجمهور، بنشوة أخرى مختلفة!

عملت قبلها ثلاثين سنة في الإخراج وكان من ضمنها أعمال شهيرة ،اشتهرت في سورية وفي العالم العربي… ولكن سعادتها كانت مختلفة، وهذا ما يدفعني حتى الآن إلى عدم قطع الصلة بعالم التمثيل.

آخر عمل قمت بتمثيله، دور في مسلسل “رجاها” للمخرج الصديق عدنان ابراهيم وقد تمت إعادة إذاعته بعد رمضان على الشاشة السورية ، وبعد انتهاء عرضه بأيام كنت أقوم برياضتي وأتمشى في أحد الشوارع حين صادفتني مجموعة من الأطفال الصغار كان أكبرهم لا يتجاوز الخمس سنوات…. أوقفوني وسلموا علي واحدا واحد بعد أن تأكدوا من أنني الممثل في هذا المسلسل ، وحين تابعت سيري أتاني صوت أحد الأطفال وهو يصرخ: (إنتي أحلى شب بهالمسلسل…) ضحكت لهذا التعبير، ولكنني أحسست بنفس النشوة التي أحسستها وأنا أستلم شهادة التقدير من وزيرة الثقافة وقتها الدكتورة نجاح العطار…

كان اليونانيون القدامى يضعون شعاراً على معبدهم الديني “دلف” اعرف نفسك، وقد اكتشفت أنني فعلاً لا أعرف نفسي، حين أجبت نقولا “لم لا” … حتى الآن لا أعرف لم أجبته هذا الجواب… ولكنني تأكدت من شيء واحد: من السهل على الإنسان أن يعرف العالم… و لكن من الصعب أن يعرف نفسه على حقيقتها.

دمشق: 22/02/2006

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى