شاكر مصطفى وزير الإعلام السوري عام 1965 : كتاب “حضارة الطين” وكأننا نقرؤه لأول مرة!

دمشق ــ خاص

عندما كانت سورية تندفع بعد الاستقلال لتقدم ماعندها من قامات ثقافية وإبداعية، ظهر شاكر مصطفى كواحد من الشباب السوريين الذين يؤشرون إلى عطاء كبير أصيل ومتجدد في الوقت نفسه، وهكذا وجد الشاعر الكبير نزار قباني أن شاكرا ” لايرمي حروفه رمياً على خشبة المسرح. كل فكرة لديه تعرف موضعها، وكل نقطة، كل فاصلة تعي دورها وتأخذ مكانها المرسوم لها.. لافوضى.. ولا مصادفة في أدب شاكر مصطفى وفي كل أدب جيد بل لامصادفة في الحياة على الاطلاق».

وقبل أن يرحل عن هذه الدنيا، كنا نشاهد شاكر مصطفى وهو يحني رأسه تواضعا، فيحضر الندوات، ويقدم المحاضرات، ويصافحنا بحب، وينصت إلى وجهات نظرنا ، وكأنه يبحث عن حلم لم يجده بعد!

صدر في دمشق كتابه “حضارة الطين” قبل فترة قصيرة، ورغم أنه نزل الأسواق قبل عقود، وطبع أكثر من مرة، فهو في طبعته هذه يبدو نضرا جذابا يدفع قراء سورية “الباقين” إلى التعمق في كلماته التي تحدثنا عن حضارة البشرية التي يكاد العصر يسرق إنسانيتها في وهج الحروب والفوضى والارهاب والتشيؤ والتكنولوجيا..

فالدكتور شاكر مصطفى يضع الانسان المعاصر على طاولة التشريح ، ويحاول البحث عن أسراره ، وخفايا الأرضة التي تأكله، فإذا هو في كتابه القديم الذي جدد طباعته اتحاد الكتاب العرب، “حضارة الطين” يتهم الانسان الذي يعايش التكنولوجيا والاختراع بأنه يتجه للدرك الأسفل، لأنه يهمل الأخلاق والمبادئ الإنسانية. وعندما نقرأ الكتاب بلغة اليوم ، نشعر أن على اتحاد الكتاب العرب أن يقيم حفلا لتوقيع كتاب “جديد طازج” عن حياتنا ألفه لنا كاتب راحل هو الدكتور شاكر مصطفى، فنقرأ عن طمع الإنسان بالمُنجز المادي، وانشغاله بالحروب والرغبة في السيطرة، والتهائه بلغة التدمير، وتفوّق الأنانيّة على حساب الإنسانية، وصراع الوجود ودفن الهويّة لبعضنا بعضاً!

كم سنة مضى على كتاب “حضارة الطين” ؟!

إنه الكتاب الثاني الذي يرد في القوائم التي تنشرها المواقع الألكترونية عن مؤلفات الكاتب الراحل، وفعليا يعود الكتاب إلى أربعة عقود مضت، قدم فيها الدكتور شاكر مصطفى نظرته الثاقبة لعالم يتحول نحو الوحشية!

ولد شاكر مصطفى عام 1921 في دمشق وتوفي عام 1997 بعد أن ترك لنا أكثر من خمسين كتابا تثير فينا الفضول لنقرأها بعمق، فإذا شئت تقرأ فيها عن الأدب أوالتاريخ، وإذا شئت أن تبحث عن موقع حضارة الطين في كتبه ، يمكن لك أن تستعرض بعض عناوين ماترك لنا، فتجد أنه الثاني أو الثالث: معالم الحضارات، العالم الحديث، حضارة الطين، في ركاب الشيطان، الأندلس في التاريخ، الشعر والناس، جغرافية البلاد العربية، في التاريخ العباسي، ماريانا- لوركا، العرب في التاريخ، الأدب في البرازيل، معنى السلام عند إسرائيل، ماذا تريد إسرائيل، محاضرات في القصة القصيرة حتى الحرب العالميّة الثانية.. والمعروف عن الدكتور شاكر مصطفى فنية وجاذبية سرده لوقائعه، وبأسلوب سلس، يسكبها بقالب قصة مشوقة، كما يعتبر من مؤرخي القصة السورية، وله كتاب ضخم في ذلك هو “القصة في سورية” الذي صدر عن معهد الدراسات العربية العالية في القاهرة عام 1955، ولا يزال هذا الكتاب حتى اليوم من أفضل مراجع تاريخ القصة السورية، وأبرز أعلامها منذ منتصف القرن التاسع عشر.

وفي سيرته الذاتية، يمكن وصفه “مجازا” بأنه “ولد عاق” فقد أحبط طموحات أبيه ، فأبوه، كما تقول تلك السيرة، كان بقالاً يرجو أن يرث ابنه دكانه الصغيرة، وشاكر الذي أحب هذه الدكان لأنها تأسست على عرق الأب، لم يقم بذلك، بل انشغل عنها في الدراسة ، ونال الإجازة الجامعية في التاريخ من جامعة القاهرة عام 1945، ثم تدرج في عمله من مدرس في حوران إلى أن أصبح أميناً عاماً لجامعة “دمشق”، لترسله الدولة بعدها إلى السلك الدبلوماسي ، فأرسل عام 1956 مستشاراً ثقافياً في السفارة السورية بالقاهرة، ثم تنقل في عمله الدبلوماسي قائماً في الأعمال في “السودان” عام 1957، ووزيراً مفوضاً في “بوغوتا”- عاصمة “كولومبيا” 1958، وبين عام 1961-1963 كان قنصلاً في البرازيل، وخلال هذه الفترة أتقن اللغتين الأسبانية والبرتغالية، إضافة إلى الإنكليزية والفرنسية اللتين كان يتقنهما من قبل.

عاد إلى سورية عام 1964 فأصبح مديراً عاماً للشؤون السياسية في وزارة الخارجية، فأميناً عاماً بالوكالة، إلى أن اختير عام 1965 وزيراً للإعلام وبقي فيه حتى عام 1966 عندما قامت حركة 23 شباط ..

في عام 1966 كان الاعلام السوري يستكمل انقباضه وانحساره كعامل نشط في الجسد الثقافي السوري بعد أن كان إعلاما فذا قدم خبراته للاعلام العربي ، فإذا به ينكفئ أمام وقع الأحداث السياسية التي غيرت كل شيء في حضارة السوري، إلى أن وقف بعد عام 2011 أمام المرآة يرشق نفسه بالرصاص!

ترك الدكتور شاكر مصطفى منصبه كوزير للإعلام، وسافر إلى الكويت ليعمل أستاذاً للتاريخ العربي والإسلامي في جامعتها، وظل في هذا العمل خمساً وعشرين سنة. وفي عام 1970 نال شهادة الدكتوراه من جامعة “جنيف” في سويسرا، بأطروحة موضوعها “مؤرخو العصر السلجوقي الأيوبي”، أصبح بعدها عميداً لكلية الآداب في جامعة “الكويت”، ثم انتدبته دولة “الكويت” ليشغل منصب الأمين العام المساعد بجامعة الدول العربية في “تونس” للجنة التخطيط الشامل للثقافة العربية، وبعد انتهاء مهمته أصبح مستشاراً في الديوان الأميري، بدولة الكويت.

حين أحيل إلى التقاعد عاد إلى “دمشق”، وظهر اسمه في أكثر من حقل سياسي وثقافي ، ثم داهمته أمراض الشيخوخة، ولكنه لم يلق القلم جانباً، ولم يستسلم إلى الراحة، وظل عاكفاً على العمل حتى وافته المنية في 31/3/1997 وهو في السادسة والسبعين من عمره.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى