هكذا حوّل الجنود الأتراك جلود الكتب في الأزهر إلى أحذية

عانت مكتبة الجامع الأزهر من التدمير ومن السلب بسبب الاضطرابات الداخلية والعصيان في عهد الدولة الفاطمية، فأثناء قيام الجنود الأتراك بالعصيان ضد الإمام المستنصر بالله نهبت المكتبات ومنها مكتبة الجامع وخلعت جلود الكتب الفاخرة واستخدمت في عمل الأحذية والصنادل وأحرقت وسرقت الكثير من المخطوطات.

وتعرضت مكتبة الجامع للتدمير مع قيام الدولة الأيوبية في إطار سعيهم للقضاء على المذهب الشيعي الإسماعيلي، إلا أن الأيوبيين لم يتلفوا الكتب أو يحرقوها إنما جمعوها وقدموها إهداء إلى القاضي الفاضل لتكون نواة لمكتبة المدرسة الفاضلية التي أنشأها القاضي الفاضل سنة 580هـ (1184م). وبلغ عدد مقتنيات مكتبة الجامع الأزهر الشريف وقت إنشائها 34 ألف مخطوط أقدمها يعود إلى القرن الثالث الهجري (القرن التاسع الميلادي)، ووصلت في سنة 1352هـ (1933م) إلى نحو 76 ألف مجلد منها نحو 46 ألف مجلد في المكتبة الرئيسية والباقي في مكتبات الأروقة، وكانت المخطوطات تبلغ نحو 14 ألف مخطوط، وفي سنة 1369هـ (1949م) وصلت مجموعات المكتبة إلى 80 ألف مجلد منها 20 ألف مخطوط، وفي سنة 1379هـ (1959م) وصل العدد إلى 120 ألف مجلد ومخطوط.

وفي العصر المملوكي زاد الاهتمام بمكتبة الجامع فأوقف أمراء المماليك وأعيان الدولة الأوقاف لضمان استمرارية العملية التعليمية به، فتذكر وثيقة الشيخ سليمان الإبشادي أنه “قد وقف كتبه على الفقراء والمساكين القاطنين بالجامع الأزهر الذين لا يملكون من الكتب إلا اليسير جدًّا ينتفعون بذلك الانتفاع الشرعي”.

وأوقف الشيخ عيسى بن عبد الرحمن الزواوي المغربي سنة 878هـ (1473م) من الكتب على أبناء جلدته من طلبة العلم والفقراء في الجامع برواق المغاربة بالذات دون غيره من الأروقة.

أعلام الجامع الأزهر

كان الجامع الأزهر الشريف قبلة العلماء، وفد إليه الكثير من العلماء، ومنهم ابن يونس المنجم، الحسن بن الهيثم الذي أقام في الجامع يدرس ويبيت، أبو محمد الحسن بن إبراهيم بن زولاق، الشاعر الحسن بن علي الضبي المعروف بابن وكيع، أبو عبد الله القضاعي المتوفى سنة 454هـ (1062م) وهو فقيه ومؤرخ، أبو الحسن طاهر بن أحمد المعروف بابن بابشاذ النحوي والمتوفى سنة 469هـ (1076م)، عبد اللطيف البغدادي الذي كان يدرس بالجامع الطب والفلسفة والمنطق في عهد الدولة الأيوبية، الطبيب موسى بن ميمون، الشيخ شرف الدين عمر بن الفارض الشاعر الصوفي الشهير، والمؤرخ ابن خلكان. ومن علماء الرياضيات أحمد السجيني المتوفى في سنة 885هـ (1480م)، وابن الهائم المتوفى في سنة 815هـ (1412م)، ومن علماء الموسيقى أبو النجا بن خلف المصري الشافعي.

ومن علماء الكيمياء محمد بن عبد الرحمن بن عيسى الذي عاش ما بين عامي 760–853هـ (1359-1449م)، تقي الدين بن دقيق العيد الذي عاش ما بين عامي 655–702هـ (1257–1302م)، المؤرخ ابن دقماق، وبدر الدين العيني صاحب كتاب عقد الجمان.

والمؤرخ الأندلسي شهاب الدين أبو العباس أحمد بن محمد بن أحمد الشهير بالمقري الذي كتب خلال إقامته في مصر ما بين عامي 1027-1041هـ (1618–1633م) كتابيه الشهيرين: “نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب وذكر وزيرها لسان الدين بن الخطيب” و”أزهار الرياض في أخبار القاضي عياض”. وعبد الوهاب الشعراني 973هـ (1565م)، اللغوي مرتضى الحسيني الزبيدي، أحمد الدرير، المؤرخ عبد الرحمن الجبرتي، وعمر مكرم الذى تولى مشيخة رواق الجوهرية ثم رواق الصعايدة بعد سنة 1201هـ (1786م) وتولى نظارة وقف عبد الرحمن كتخدا.

والشيخ عبد الله الشرقاوي الذي أصبح شيخًا للجامع سنة 1208هـ (1793م) وقد أسهم الشيخ الشرقاوي في إعطاء منصب شيخ الجامع الهيبة والنفوذ اللذين اكتسبهما في القرن الثالث عشر الهجري (القرن التاسع عشر الميلادي)؛ الشيخ محمد المهدي، رفاعة رافع الطهطاوي مبعوث الجامع الأول إلى معاهد أوروبا، الإمام محمد عبده، وجمال الدين الأفغاني الذي عقد حلقاته الدراسية بطريقة عصرية مبتكرة وكانت هذه الحلقات حدثًا فكريًّا واجتماعًّا عظيمًا، والشيخ عبد العزيز جاويش.

كما نظمت في الجامع الأزهر الشريف الحلقات الدراسية؛ وكانت أولى حلقات الدرس التي تعقد في الجامع في صفر سنة 365ه (975م) عندما جلس القاضي أبو الحسن علي بن أبي حنيفة النعمان القيرواني ليملي مختصر أبيه ابن حيون في الفقه والمعروف بـ”الاقتصار” ، ومنذ ذلك التاريخ أصبح الجامع جامعة علمية حيث كان هؤلاء العلماء يتحلقون في حلقات بعد صلاة الجمعة إلى صلاة العصر لإلقاء الدروس.

وعقد الوزير يعقوب بن كلس حلقة دراسية لتدريس كتابه “الرسالة الوزيرية في الفقه الشيعي”، وكانت مجالس ابن كلس تتحرر من القيود الرسمية وتتجه نحو الأهداف العلمية، وتعد أول مجالس جامعية عقدت بالجامع.

وفي سنة 378هـ (988م) استأذن الوزير يعقوب بن كلس الإمام العزيز بالله في تعيين فقهاء بالجامع وكان عددهم سبعة وثلاثين فقيهًا يرأسهم الفقيه أبو يعقوب قاضي الخندق وقد اشتملهم الأئمة الفاطميون وخاصة العزيز بالله بالعطايا والخلع .

وعلى الرغم من غلق الجامع الأزهر الشريف مع بداية عصر الدولة الأيوبية، فإن الجامع ظل في وجدان المصريين، فقد أدرك المماليك أهمية الجامع فأعادوا له الخطبة مرة أخرى في عهد الملك الظاهر بيبرس، وعاد الجامع ليفتح أبوابه لطلاب العلم من كل أنحاء العالم الإسلامي، فاشتهر من علمائه الكثيرون في العصر المملوكي كالعالم المغربي ابن خلدون، وقد حرص السلطان الغوري 906-923هـ (1501-1517م) على عقد المجالس العلمية والدينية وحضورها والمشاركة في المسائل العلمية التي تثار في تلك المجالس في الجامع الأزهر الشريف .

أما عن أوقاف الجامع الأزهر الشريف فتعود إلى بدايات إنشائه؛ ففي سنة 386هـ (996م) أوقف الإمام الحاكم بأمر الله الكثير من الأوقاف على الجامع الأزهر، والجامع براشدة والجامع بالمقس ودار الحكمة بالقاهرة المحروسة، وهي: دار الضرب، وقيسارية الصوف، ودار الخرق الجديدة، وجميعها من أملاكه الخاصة، وقد بلغ ما تم وقفه من ريع تلك الأملاك ما وزنه ألف دينار وسبعة وستون دينارًا ونصف دينار وثمن دينار.

ومن تلك المخصصات أوقف 48 دينارًا للخطيب، 181 دينارًا لفرش الجامع بالحصر، 12.75 دينارًا لثلاثة قناطير زجاج، 15 دينارًا ثمن عود هندي للبخور في شهر رمضان وأيام الجمع وكافور ومسك وأجرة الصانع، 7 دنانير ثمن نصف قنطار شمع، 5 دنانير ثمن كنس الجامع ونقل التراب وخياطة الحصر وثمن الخيط وأجرة الخياطة، دينار واحد لسرج القناديل، نصف دينار ثَمَن ثُمن قنطار فحم للبخور، وربع دينار ثمن إردبين ملح للقناديل.

وأيضا 24 دينارًا لمئونة النحاس والسلاسل والتنانير والقباب التي فوق سطح الجامع، نصف دينار ثمن سلب ليف وأربعة أحبال وست دلاء أدم، نصف دينار ثمن قنارين خرقًا لمسح القناديل، دينار واحد وربع ثمن عشر قفاف للخدمة وعشرة أرطال قنب لتعليق القناديل ومائتي مكنسة لكنس الجامع، ثلاثة دنانير ثمن أزيار فخار يصب فيها الماء مع أجرة حملها، 37 دينارًا ونصف ثمن زيت وقود للجامع (1200 رطل) وأجرة الحمل، 556 دينارًا ونصف أجرة ثلاثة أئمة وأربعة قومة وخمسة عشر مؤذنًا (ديناران وثمن دينار لكل إمام كل شهر من شهور السنة، وديناران لكل مؤذن وقوام كل شهر)، و24 دينارًا للمشرف على الجامع.

وللنظافة خصص دينار لكنس المصنع في الجامع ونقل ما يخرج منه من الطين والوسخ، 60 دينارًا لمرمة ما يحتاج إليه الجامع في سطحه وأترابه وحياطته، 8 دنانير ونصف وثلث ثمن 180 حمل تبن ونصف حمل جارية لعلف رأسي بقر للمصنع، 4 دنانير ثمن مخرن للتبن بالقاهرة، 7 دنانير ثمن فدانين قرط لتربيع رأسي البقر، و15 دينارًا ونصف أجر متولي العلف وأجرة السقاء والحبال والقواديس وما يجري مجرى ذلك، و12 دينارًا أجرة قيم الميضأة إن عملت في هذا الجامع.

(هذه المادة مستقاة من مشروع كتالوغ “الجامع الأزهر الشريف” الذي أصدرته مكتبة الإسكندرية لتوثيق تاريخ الأزهر منذ نشأته وحتى الآن ودوره الهام لأكثر من ألف عام، بالتعاون مع مشيخة الأزهر).

ميدل ايست أونلاين

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى