لماذا تغيّبت دول عربيّة إفريقيّة عن دعم المُبادرة الجزائريّة لطرد إسرائيل من الاتّحاد الإفريقي؟
أخيرًا تَحرّكت الدبلوماسيّة الجزائريّة في إفريقيا، وبزَخمٍ ملموس، بعد سنوات عِجاف من حُكم الرئيس عبد العزيز بوتفليقة الذي أصاب البِلاد ومفاصلها بحالةٍ من الشّلل السّياسي والدّبلوماسي، وتَمثّل هذا الحِراك بمسعى جزائري لطَرد إسرائيل من الاتّحاد الإفريقي، وإلغاء حُضورها فيه كعُضوٍ مُراقب، وتشكيل طاقم إفريقي للمُتابعة يَضُم 13 دولة هي جنوب إفريقيا، تونس، إريتريا، السنغال، النيجر، الغابون، جزر القمر، نيجيريا، مالي، سيشل، وزيمبابوي إلى جانب الجزائر.
كان لافتًا غياب عدّة دول من الاتّحاد المغاربي مِثل ليبيا وموريتانيا، علاوةً على الدّولتين اللّتين تُقيمان عُلاقات دبلوماسيّة مع إسرائيل وهُما المغرب ومِصر، بالإضافة إلى كُل من جيبوتي والصومال في الشّرق الإفريقي.
هذا التَّحرُّك الجزائري يَستحقّ التّنويه، لأنّه يُحاول تصحيح خطأ فاحش، لا يَقتصِر على فتح أبواب القارّة على مِصراعيها، اقتصاديًّا وسياسيًّا ودبلوماسيًّا، أمام دولة عُنصريّة مارقة ومُدانة بارتِكاب جرائم حرب ضدّ الإنسانيّة، وإنّما أيضًا على تشجيع المَزيد من الدّول على تطبيع عُلاقاتها معها على حِساب الشّعب الفِلسطيني وحُقوقه المُغتَصَبَة.
مِن المُؤسِف أنّ إثيوبيا الدّولة التي تعمل حاليًّا على تهديد الأمن القومي المائي لدَولتين عربيّتين إفريقيّتين هُما مِصر والسودان، هي التي باتت تُشَكِّل رأس الحربة في تسهيل وترسيخ هذا الاختِراق الإسرائيلي للقارّة الإفريقيّة، ووجّهت الدّعوة لبنيامين نِتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلي السّابق، لحُضور القمّة الإفريقيّة الأخيرة ومُخاطَبة أعضائها من فوق منبرها وأروقتها في أديس أبابا.
رَحِمَ الله الرئيس جمال عبد الناصر الذي حوّل القاهرة إلى عاصمةٍ كُبرى لكُلّ القارّة الإفريقيّة، عندما دعم جميع حركات التّحرير ضدّ الاستِعمار والعُنصريّة فيها، وفتح جامعات بلاده لعشَرات الآلاف من الطُلّاب الأفارقة، وأقام مدينةً جامعيّةً لهم، عادوا إلى بلادهم لاحقًا وكانوا سُفَراء لدعم العُلاقات العربيّة الإفريقيّة.
كما نترحّم أيضًا على روح العقيد معمر القذافي، رغم أخطائه، الذي سار على النّهج نفسه، وكانَ هو الذي وقف خلف فكرة الاتّحاد الإفريقي، ورفض انتِقال عُضويّة إسرائيل من منظّمة الوحدة الإفريقيّة إليه، علاوةً على استِثماره عشَرات المِليارات لتطوير الاقتِصاديّات الإفريقيّة، ودفع حياته وحُكمه، ثمنًا لمشروعه الاستراتيجي لإصدار عُملة إفريقيّة مُوحَّدَة مدعومةً بالذّهب، كبَديلٍ للدّولار الأمريكي، والعُمُلات الأوروبيّة الأُخرى مثل الفرنك الفرنسي، والمارك الألماني في حينها واليورو لاحقًا.
الخطوة الجزائريّة على دَرجةٍ كبيرةٍ من الأهميّة، ويجب أن تحظى بدعم جميع الدّول العربيّة الإفريقيّة منها خاصّةً، انتِصارًا للثّوابت العربيّة والإسلاميّة ودَعمًا للقضيّة للفلسطينيّة العادلة، وفضح الجرائم والعُنصريّة الإسرائيليّة.
وجود الدولة العبريّة في الاتّحاد الإفريقي حتّى بصفة مُراقب، مشروع فتنة، فهي التي تَقِف خلف سدّ النّهضة وتُوَفِّر الحِماية له، وتُحَرِّض إثيوبيا على المُضِيّ قُدُمًا فيه والضّرب بعرض الحائط بالمطالب المِصريّة والسودانيّة المائيّة المَشروعة.
لم يُفاجِئنا نبأ صحيفة “يديعوت احرونوت” الإسرائيليّة الذي تحدّث عن بَذْر جهاز “الموساد” بُذور الفتنة بين الجِنرال عبد الفتاح البرهان رئيس المجلس السّيادي السوداني، ونائبه الجِنرال محمد حمدان دقلو (حميدتي)، وغضب الأوّل (البرهان) بالالتِفاف على الجِنرال البرهان، وإقامة اتّصالات مع نائبه من وراء ظهره.
السّودان كان ضحيّة مُؤامرة أمريكيّة إسرائيليّة تمثّلت في حثّ النّظام الحاكِم على إدارة ظهره لكُلّ الإرث السّوداني المُشَرِّف في التَّمَسُّك بالثّوابت العربيّة، ودعم القضيّة الفِلسطينيّة والإقدام على خطواتٍ تطبيعيّةٍ مع حُكومة تل أبيب، مُقابل وعود باستِثمارات ومُساعدات ماليّة لم تتَحَقَّق، ولا يبدو أنّها ستَتَحَقَّق.
اتّفاقات التّطبيع التي وصفها الرئيس التونسي قيس سعيّد بأنّها خيانة هي أكبر مُصيبة حلّت بهذه الأُمّة، لأنّها فتَحت أبواب القارّتين الإفريقيّة والآسيويّة أمام النّفوذ الإسرائيلي، ودُون مُقابل، نتيجةً للتّخاذل العربيّ، والرّضوخ للضّغوط الأمريكيّة، هذا التّطبيع هو “أبُ الكبائر وأمّها” ومِن المُؤسِف أنّ أكبر مُقتَرفيها هي مُنظّمة التّحرير والسّلطة الفِلسطينيّة بتَوقيع اتّفاقات أوسلو الخيانيّة، نقولها وفي الحَلقِ علقم.