أزمة لبنان.. من هم أعداء الوطن والشّعب؟
هذا هو سرّ كلّ الأحداث التي يعيشها لبنان الآن وسابقاً، ولنقل اعتباراً من قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1559 بتاريخ 2 أيلول/سبتمبر 2004.
من دون العودة إلى تاريخ لبنان القديم والحديث، وخصوصاً بعد أحداث ما بعد الاستقلال، يكفي التذكير بما عاشه هذا البلد اعتباراً من الحرب الأهلية التي يعرف الجميع كيف بدأت ولماذا وكيف انتهت، ويعرف الجميع أيضاً أطماع الصهاينة، حتى قبل “قيام الدولة العبرية”، بلبنان أرضاً وبحراً ومياهاً، وهو ما يفسّر كلّ التدخلات الإسرائيلية اللاحقة بأشكالها المختلفة، كما يفسّر تآمر الأنظمة العربية والدولية المتحالفة مع “تل أبيب” ضد هذا البلد الذي كان، وما زال، محط أنظار الجميع، بسبب مقاومته الاحتلال وبسبب الخيانة بكلّ أشكالها الداخلية والعربية والإقليمية!
يريد الجميع أن ينتقموا من هذا البلد وشعبه، لأنه رفض الاستسلام للأعداء والعملاء والمتآمرين الَّذين لم يستطيعوا تحقيق أهدافهم، ليس في الحرب الأهلية فحسب، بل خلال الغزو والاحتلال الإسرائيلي للجنوب أيضاً، ثم في حرب تموز/ يوليو 2006، فاتّفقوا على تدمير لبنان بمن فيه، انتقاماً لصمود المقاومة، كما أقسموا على تدمير سوريا لأنها وقفت إلى جانب المقاومة ولبنان.
هذا هو سرّ كلّ الأحداث التي يعيشها لبنان الآن وسابقاً، ولنقل اعتباراً من قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1559 بتاريخ 2 أيلول/سبتمبر 2004، إذ أكد ضرورة انتخاب رئيس جديد للبنان وحلِّ الميليشيات اللبنانية، التي كانوا يقصدون بها “حزب الله”، ونزع سلاحها، وبالتالي انسحاب القوات السورية، وهو ما وافق عليه الرئيس بشار الأسد في نيسان/أبريل 2005 بعد المؤامرة الكبرى، ألا وهي اغتيال رفيق الحريري، وما تلاها من مؤامرة أكبر، وهي الحملة التي استهدفت سوريا سياسياً وإعلامياً، من دون أن يتذكر أحد أن كل الرؤساء الأميركيين الذين التقوا الرئيس الراحل حافظ الأسد وكانوا يشترطون عليه التخلي عن دعم المقاومة والقضية الفلسطينية مقابل إعطائه كل ما يشاء عربياً ودولياً، وهو ما رفضته دمشق دائماً.
وجاءت حرب تموز لتؤكّد من جديد عزم الأعداء وإصرارهم على الانتقام من لبنان وسوريا، إذ أرادت “تل أبيب” من خلال هذه الحرب أن تنتقم لهزيمتها وانسحابها من الجنوب اللبناني، وقبل ذلك لضحايا التفجيرات التي استهدفت في تشرين الثاني/نوفمبر 1982 مقر قيادة “الجيش” الإسرائيلي في صور، ومقر “الشاباك” الإسرائيلي قرب المدينة، والتي أدت إلى مقتل 131 إسرائيلياً.
ويفسر كل ذلك أيضاً اهتمام واشنطن وباريس معاً بما يسمى “أزمة لبنان الحالية”، وعبر التدخلات المباشرة وغير المباشرة، من خلال حلفائهما في الداخل أو في المنطقة، إذ لم تنسيا معاً ضحايا الهجمات التي تعرَّضت لها الثكنات الأميركية والفرنسية في بيروت في 23 تشرين الأول/أكتوبر 1983، وأدت إلى مقتل 241 من العساكر الأميركيين و58 من الفرنسيين.
وفي جميع الحالات، قد يرى البعض في هذه الذكريات أحداثاً طوى التاريخ صفحاته عليها، ولكن التاريخ علمنا أيضاً أن الدول الإمبريالية لا تنسى كلّ من انتصر عليها وأهانها بشكل من الأشكال، كما لا تنسى كل من خدمها ما دام مستمراً في هذه الخدمة، مهما اختلفت أشكال الخدمة المباشرة وغير المباشرة، كما هو الحال في لبنان. وقد صمد شعبه بكل فئاته أمام أعتى أنواع التآمر والخيانة داخلياً وإقليمياً ودولياً، وأثبت أنه صاحب المعجزات في الصبر والانتصار.
ويبقى السؤال: إلى متى سيستمر تآمر المتآمرين اللبنانيين ضد شعبهم، وهم يعرفون أن أسيادهم لا يكنّون إلا مشاعر الحقد والعداء للبنان وكل شعوب المنطقة التي ترفض الاستسلام، وهو ما أثبتوه في سوريا ولبنان واليمن والعراق ودول أخرى في المنطقة؟
ليس للجميع إلا هدف واحد، هو التخلص من سلاح المقاومة وغطائها السياسي “حزب الله”؛ مصدر الذعر الحقيقي الوحيد لـ”إسرائيل”، وباعتراف قياداتها، وهي ترى دائماً في الأنظمة العربية والإقليمية ملاذها الوحيد، لأنها ساعدتها وتساعدها وستساعدها دائماً للتآمر على دول المنطقة وشعوبها برمتها.
ويفسّر ذلك كلّ التطورات الأخيرة التي يعيشها لبنان بكلّ فئات شعبه، الذي يريد له المتآمرون أن يكون ضحية خياناتهم، بعد أن أثبتوا جميعاً أنّهم لن يرحموا أحداً، أياً كانت انتماءاتهم الدينية والطائفية والقومية. وإلا، لماذا لا يريد البعض من أعداء الوطن والشعب للبنان أن يستورد المازوت والبنزين من إيران التي أعلنت استعدادها لتقديم هذه المساعدة من دون أي شروط؟ ثم لماذا هذا التأخير في الاتفاق مع العراق في هذا المجال؟
والسؤال الأهم: لماذا لا تفكر أنظمة الخليج المتآمرة في تغطية احتياجات الشعب اللبناني “الشقيق” من هذه المشتقات النفطية، ولو لمرة واحدة، بدلاً من أن تفكر في التعاون مع “إسرائيل” التي تغطي معظم احتياجاتها من هذه المشتقات من أذربيجان وكردستان العراق، وعبر الموانئ التركية؟ ومن ثم من يؤخّر التحقيق في حادث انفجار المرفأ، وبالتالي قصص الفساد الخطيرة التي طالت معظم رجال المال والسياسة، الذين يعرفهم المواطن اللبناني بالأسماء والألقاب؟ ولماذا؟ ولِمَ لا تفكر تركيا بدورها في تسخير بواخرها ذات المولدات الكهربائية المتورطة بقضايا فساد لتغطية احتياجات لبنان من الكهرباء مجاناً، وهي التي تغطي جميع احتياجات الفصائل المسلّحة في سوريا وليبيا؟
كما أنّها تقوم بما تقوم به في هذين البلدين، بعد أن أقامت قواعد عسكرية في العراق والصومال، وهي تتدخل في كل بلد عربي بشكل أو بآخر، وخصوصاً بعد ما يسمى بـ”الربيع العربي”. وكان هذا الربيع كافياً لوضع تركيا في خندق العداء لسوريا ومن معها، إذ دخلت أنقرة بعد ذلك التاريخ في حوارات وتحالفات سريعة مع كل الأطراف اللبنانيين (زارت أنقرة أكثر من مرة) المعادين لـ”حزب الله” وسوريا، على الرغم من زيارة رئيس الوزراء إردوغان الشهيرة إلى بيروت في 24 تشرين الثاني/نوفمبر 2010، إذ أعلن آنذاك “استعداد بلاده للانضمام إلى المساعي السورية السعودية من أجل إنهاء الخلاف حول المحكمة الدولية”.
وقد قال “إنَّ لبنان انتصر على إسرائيل في الحرب التي شنّتها عليه في العام 2006، وسينتصر عليها في أي حرب قادمة”، من دون أن ينسى آنذاك زيارة بلدة الكواشرة في عكار، ليفتتح آباراً ارتوازية، ويدشّن مدرسة أنشأتها تركيا في هذه البلدة التي يقطنها مواطنون من أصول تركمانية، ويتكلمون اللغة التركية، والذين أطلقوا هتافات “قومية”، ورفعوا لافتات كتبوا عليها بالتركية: “أهلاً بأحفاد السلطان عبد الحميد”، الذي أصبح اسماً لفصيل تركماني مسلّح يقاتل الآن في سوريا، وهو ما كان بداية الاهتمام التركي بلبنان داخلياً، في محاولة من أنقرة لموازنة الدور الإيراني/ السوري الذي تحول بعد ما يسمى بـ”الربيع العربي” إلى مصدر قلق جدي بالنسبة إلى تركيا وأنظمة الخليج ومن معها في المنطقة وخارجها، فكان لبنان منذ هذا “الربيع” هدفاً لكل المؤامرات الخفية والعلنية بكل أطرافها الداخلية والخارجية التي لم تبالِ بمقتل مئات الآلاف من أبناء العراق وسوريا واليمن، والتي شرَّدت الملايين منهم.
كما أنَّها لا تبالي بما يعانيه الشعب اللبناني، ولن تفعل، لأنها السبب في هذه المعاناة بكل أشكالها، وستكون معالجتها سهلة جداً عندما يرى المتواطئون أنّ لبنان للجميع، وهو أغلى بكثير من حفنة دولاراتهم، كما كان دائماً منذ زمن الكنعانيين، الذين عاشوا في لبنان وسوريا وفلسطين قبل زمن طويل جداً من اليهود ودويلاتهم، كما كانوا فيها قبل قرون عديدة من اكتشاف كولومبوس لأميركا وخرائط “سايكس بيكو”!