أقرّت مصادر أمنية واستخباراتية إسرائيلية، في تصريحات غير رسمية، بأن أنفاق غزة المقاومة استطاعت إفشال كل الخطط الطموحة التي ظنّ العدو طوال السنوات الماضية، أنها قادرة على تحييد أنفاق المقاومة وتدميرها. وأظهر آخر التحقيقات التي نشرتها صحيفة «هآرتس»، أن مشروع إغراق الأنفاق بمياه البحر، المعروف بـ«أتلانتس»، والذي جند الاحتلال كتيبة كاملة للعمل به طوال شهر ونصف شهر، فشل في تحقيق أي نتائج تُذكر.
مشروع أنفاق غزة المقاومة
وتقوم فكرة المشروع على غمر أنفاق غزة المقاومة بمضخّات مياه كبيرة قادرة على ملء مسبح أولمبي بالمياه، في مدة أقصاها سبع دقائق. وقد أقرّ تنفيذه بضغط من قيادة المنطقة الجنوبية، حتى قبل الحصول على آراء المختصّين، وذلك بهدف البحث عن إنجاز سريع يسجّل للمؤسسة الأمنية التي لم تستطع تحقيق صورة نصر واضحة.
لكنّ هذا الإجراء اصطدم بجملة من العقبات. أولاها غياب الإحاطة المعلوماتية عن الموجودين في داخل الأنفاق، وعن مصيرهم بعد عملية الإغراق التجريبية. حيث نفّذ الجنود أولى المهام واستهدفوا نفقاً كبيراً. لكنّهم وبعد ضخ كميات كبيرة من المياه، لم يستطيعوا تحرّي أي نتيجة للعملية.
ووفقاً لأحد الضباط الذين شاركوا في المهمة، فقد دار نقاش طويل بعد فشل التجارب العملية للخطة التي ظنوا أن بوسعها أن «تخرج الزير من البئر». ليتضح أن «كتائب القسام» بنت أنفاقها بطرق هندسية ووفّرت لها خطوطاً لتصريف المياه وأبواباً جانبية ونقاط تهوئة أيضا. وهو ما يفسّر عدم غرقها بمياه الأمطار في فصل الشتاء. ووفقاً لتحقيق الصحيفة. فإن كل ما تدرّب عليه جيش العدو قبل الحرب للتعاطي مع مشكلة الأنفاق، اتضح أنه لا علاقة له بالواقع. وكان رئيس أركان الجيش، هرتسي هليفي، قد كشف عن مشروع “أتلانتس” في مطلع العام الماضي، ووصفه آنذاك بالفكرة الجيدة.
إعلام الاحتلال : العجز في مواجهة أنفاق غزة المقاومة
وفجّر تحقيق «هآرتس» السجال حول العجز في مواجهة أنفاق غزة المقاومة، في إعلام الاحتلال. حيث أقرّ ضابط كبير في جيش العدو بأن 80% من أنفاق «حماس» لا تزال تعمل بفاعلية كبيرة. وشبّه الضابط الذي لم تكشف هويته، أنفاق «القسام»، بـ«شبكة العنكبوت». إن قطعتَ خطاً منها نبت آخر. فما سر أنفاق «القسام»؟ القيادي في حركة «حماس». أسامة حمدان، كان قد أكّد، في تعقيبه على مشروع «أتلانتس»، أن من بنى تلك الأنفاق «مهندسون متعلّمون ومدرّبون جيداً. وقد وضعوا في الحسبان أي نوع من الهجمات الممكنة لجيش الاحتلال بما في ذلك ضخ المياه».
التهديدات التي يمكن أن تلحق بالأنفاق
فمشروع الأنفاق إجمالاً، مثّل طوال العشرين عاماً الماضية، خطة «حماس» الدفاعية الطموحة. والتي تعرّضت للآلاف من التقييمات والاختبارات عقب كل حرب ومعركة بين الحروب. واحتاطت «كتائب القسام» من عدة تهديدات قبل أن تبدأ معركة «طوفان الأقصى». أولها إمكانية إغراق الأنفاق بالمياه. لأنها عايشت تجربة مماثلة عندما أغرق الجيش المصري الأنفاق التجارية في محور «فلادلفيا» بالمياه. ولا بد أن ذلك التهديد وضع في الحسبان في بناء الأنفاق وتحصينها وصيانتها منذ أكثر من سبع سنوات.
أما التهديد الثاني. فهو إمكانية قصف مسارات الأنفاق الرئيسية بالقنابل الخارقة للتحصينات، والتي تصل إلى عمق يتجاوز الـ50 متراً تحت سطح الأرض. ثم حقنها بالغاز القاتل. لكن جيش الاحتلال أحرق هذه المفاجأة في معركة «سيف القدس» التي استمرت عشرة أيام وثماني ساعات. ولم تكن تستدعي ذلك أصلاً. وكشف لأول مرة فيها جيش العدو عن خطة «مترو حماس» وعن تكتيك الأحزمة النارية. وفي تلك الحرب، خسرت الحركة ثمانية من أهم قادتها وأبرع مقاتليها داخل أحد الأنفاق المحصّنة. في تجربة دفعت إلى إعادة تقييم مدى تحصين شبكة الأنفاق ومناعتها في مواجهة الغارات العنيفة.
وبالنسبة إلى التهديد الثالث. فهو التسلّل إلى الأنفاق وضخّ غازات قاتلة بواسطة مضخّات كبيرة وشديدة التأثير. وتلك خطة استشفّت «كتائب القسام» أن جيش الاحتلال يخطّط لها . من خلال كشفها قوة إسرائيلية خاصة تابعة لوحدة «سيرت متكال» عام 2018. آنذاك، كشفت الكتائب أن الوحدة الخاصة كانت تحمل معها معدّات تضمّنت تمديدات لشبكات غاز وأدوات ومضخّات، ولم تكشف حينها كل ما استطاعت الاستحواذ عليه من معدّات، لكن هذه الوسائل خضعت لتحليل مطوّل عن الهدف الذي جاءت لأجله القوة الخاصة التي حملتها.
مرونة العمل في الأنفاق بسبب طبيعتها والخبرة في بنائها،
وبالإضافة إلى ما سبق من تهديدات مكشوفة جرى التحضّر لها سلفاً. فإن طبيعة الأنفاق والخبرة الهائلة التي راكمها عناصر «القسام» في بنائها، جعلتا العمل فيها مرناً؛ فمن الممكن حتى في غضون الحرب القائمة، أن يجري حفر وصلات وتفريعات جديدة. كما وردم مسارات أخرى أيضا. ما يعقّد على جيش العدو مهمة تحقيق أي إنجاز من شأنه أن يصل به إلى نتائج مرضية.
صحيفة الاخبار اللبنانية