بشر نحن أم ملائكة
بشر نحن أم ملائكة.. كانوا يتناقشون في مجلسهم عن الآلام التي يعاني منها البشر وأنه من الممكن مع الزمن و الرقي الإجتماعي سوف يعرف البشر أخيرا عالما آخر راقيا بحق ولا أثر فيه للألام التي مزقت المجتمعات أكبرها و أصغرها من اليمن إلى الولايات المتحدة الأمريكية مرورا بمعظم الدول التي نعرفها .
كان التفاؤل يغلب على معظم الحديث وأن البشر سيصبحون أقرب إلى الملائكة و لو بعد حين..
شاركت في النقاش لكن سرعان ما آثرت الصمت مكتفياً بالاستماع إلى الآخرين الذين كانوا جميعاً من كبار المثقفين و كان بيننا مدرس عجوز في التسعين من عمره كما نعرف . كان أكبر في السن من أكبرنا بما لا يقل عن عشرين عاماً . كان صامتا يصغي مطرق الرأس و فجأة رفع رأسه و طلب الكلام فصمتوا جميعا فابتسم وهو يقول : إسمحوا لهذا العجوز أن يختصر المسألة فأنا عشت أكثر منكم جميعا، وعاشرت، وسافرت، وقرأت، وخضت كثيراً من التجارب فهل تسمحون لي بإبداء رأيي في هذا الموضوع ؟ فإذا بنا جميعنا نقول له : موافقون … فقال على الفور : إسمعوني إذاً جيداً .. ما هو الألم ؟ الألم الجسدي سهل تحديد مصدره ، و لكن الآلام النفسية ذات مصادر غير واضحة وهكذا يبدو كأن لا تعريف ثابت للألم و إن لا فإن أي شعور يتملكنا من دون أن نستطيع الإلمام جيداً بفحواه ومن الممكن عندئذ أن نسميه ألما وعندئذ تبدو الحياة كغابة مغلقة علينا جميعا وبالتالي لا يمكن إطلاقا أن نتأكد من قدرتنا على الخلاص منها … و هكذا الألم ..إن التحرر منه في حياتنا أمر مستحيل أيضا، ذلك لأننا بأنفسنا و بإختيارنا نصنع آلامنا و ننسبها لغيرنا.. و هكذا إذن ما دمنا على قيد الحياة فلن نتخلص من الشعور بالألم إطلاقا …
نحن لسنا ملائكة ومن خلقنا لن يغير مشروعه في خلقتنا وإلا إتهمناه بالتقصير وبهذا المعنى ليس في مقدورنا أن نتغير إلى مخلوقات أخرى و أن الضعف البشري و ما ينشأ من شرور هي صفات لا يمكن أن تتجزأ و تغيب كليا من كياننا كمخلوقات بشرية و أقصى ما نصل إليه من تطور تقدمي هو الإرتقاء بالتربية الجيدة المستمرة والتخفيف من آلامنا وأن لا خلاص منها بالمعنى المطلق …
و صمت الرجل ، و صمتنا معه ، و ما نزال صامتين …