جسدي ملكي ..
جسدي ملكي .. وليس ملكاً لأحد ..
و جسدي ملكي وأفعل به ما أشاء …
جسدي ملكي .. وأنا حرة به ..
بهذه الشعارات وسمت فتيات صدورهن العارية .. لتنتشر صورهن كالنار في الهشيم، على مواقع التواصل الاجتماعي والفضائيات الاخبارية .. كطريقة احتجاجية عصرية لإيصال رسالة إلى العالم …..
تلقفها المشاهد العربي إما بإعجاب شديد لجرأة الطرح… أو باستياء وقرف من أسلوب اعتبره وقاحة مفرطة، تجاوزت كل حددود الأدب والأخلاق والدين ….
التعري .. وسيلة تعبير استخدمتها بعض الفتيات العربيات للتعبير عن أنفسهن بطريقة غريبة .. مباشرة .. متحررة .. لامست مشاعر متناقضة عند المتلقي، ولكن لا يمكننا انكار أنها تركت أثراً كبيراً ،وأصبحت حديث الكثير من وسائل الاعلام
وبرامجها الحوارية .. على اعتبار أن أي ظاهرة غير مألوفة تقوم على كسر عادات وتقاليد المجتمع .. والخروج عن المألوف .. تتحول الى ظاهرة مؤثرة سلبا أم إيجاباً حسب سمو الرسالة التي تحملها ..
بالعودة للتاريخ ، فان طريقة التعري للاحتجاج هي طريقة قديمة جداً، استعملتها بعض الشعوب للتعبير ومنها العالم العربي.. ولكن انتشارها الكبير اليوم والسريع قائم على وجود وسائل التواصل الاجتماعي والتكنولوجيا.
وبالنظر الى واقع المرأة العربية عموما، والغائب عن لعب دور مؤثر وأساسي في مجتمعاتها .. وانطلاقاً من رغبتها باستثمار الوضع الحالي القائم على الثورية للتغيير .. بحثت عن وسيلة تعبير صارخة تترك أثراً.. يضطر المجتمع لسماعها ..
فاختارت التعري وسيلة فجة لتعبر عن نفسها ولتصرخ بجسدها .. أنا امرأة حرة بكل ما أملك ولا سلطة لمجتمع ورجل علي إلا بإرادتي …
قد أختلف مع هؤلاء الفتيات باعتبار هذا الأسلوب ثورة على القيم والعادات .. والخروج الى العلن للتعبير عن النفس بجرأة غير مسبوقة .. ولكني أتوافق مع فكرة أن الأسلوب المبتكر الغريب، كفيل بإيصال رسالة بشكل أسرع وأوضح ألف مرة من
إيصالها بنقاشات وندوات فكرية، تحتاج الى سنوات عمل وجهد لترسيخ قيمة انسانية أو أخلاقية.
وقد تكون هذه الحركة في نفس الوقت رداً على المد الفكري الديني الذي باتت ملامحه تتجلى واضحة في عالمنا العربي، وسيطرته باتت غير مقبولة لشريحة واسعة خرجت مطالبة بثورة تغيير نادت بالحرية والمساواة والعدالة ، فالدين القائم على
تسلط الرجل من ناحية، وإعادة المرأة الى محور الرجل كونها ضلعاً قاصراً بحاجة لوصاية وحماية وليست شريكاً حقيقياً نداً .
من ناحية أخرى .. دفعتها أيضا للبحث عن أسلوب مناقض لتحفظات الدين .. فجاءت هذه الحركة التعبيرية الغريبة لإيصال رسالة أخرى مفادها أن الحرية لا تتجزأ … ولا لسيطرة الدين والرجل.
وبالنظر إلى هذه الظاهرة كحالة جديدة على مجتمعاتنا العربية ودراسة ردود الأفعال حولها .. يمكننا القول بأن مدى تصالح المرأة مع نفسها ومع جسدها ومجتمعها ومع الرجل عموماً يحتاج إلى قوة الشخصية والإرادة والفكر الحر .. ولا يحتاج الى تعري الجسد … كما أن تحرر المجتمع وانفتاحه لا يقاس بمدى التعري فيه.
فاحترام الجسد وصيانته من كل ما قد يسبب الأذى له ..هو مدخل أساسي الى حياة نفسية صحية سليمة … لا علاقة له بالتعري ليكون التوازن بين احترام الجسد .. وحرية الرأي والفكر والتعبير .. هو المدخل الأساسي ليكون جسدي ملكي.