جسدي الذي يتحطم
جسدي الذي يتحطم …هذا حديث مختصر عن مصائب جسدي التي تكاثرت وكادت تودي بي…أتجرأ على الحديث عنها و قد فاضت عذاباتها عن الاحتمال…لعلها توقف عن إيذائي...
أولها جرى في طفولتي وأنا بعد في الرابعة أو الخامسة من العمر، وكنت -كما يقال – نشيطاً جداً في حركاتي حين سقطت في دارنا من مكان مرتفع إلى آخر منخفض وأنا أحاول الإمساك بفستان أمي من الخلف وهي لم تكن تراني أو تحس بي خلفها فأكسر أنفي و أنا أسقط …
و من الموجع أن أنفي الذي تأذى لم يزل معوجاً في مشهد وجهي إلى الآن…
أما الصدمة الثانية فكانت أخطر وأوجع إذ سقطت فيها من مكان عال إلى آخر منخفض في هضبة بنى عليها صديقنا نبيل سليمان بيته الريفي حيث كنا سهرانين و كانت صدمة خسرت فيها نشاط ساقي اليسرى إلى الأبد…
أما الصدمة الثالثه فكانت الأوجع والأخطر لأنها حدثت معي منذ أيام وأنا قد تحولت إلى عجوز تجاوز التسعين فقدت فيها قدرتي إلى حد كبير عن التنقل من مكان إلى مكان آخر …كنت في طريقي إلى مكان عمل الشركة الثقافية والتي تملك منصة ثقافية شهيرة بإسم ” بوابة الشرق الاوسط الجديدة” حيث أشارك منذ سنين في نشر مقال إسبوعي كل ثلاثاء ..هناك وجدت االمكان مغلقأً فانسحبت أسفاً حيث خطر لي أن أدخل مقهى و مطعم ظريف قريب أستريح فيه قليلاً..
كان المكان محاطاً بساحة واسعة من السيرامك ذي اللون الأبيض الناصع على زرقة شفافة و لم أنتبه إلى أن الساحة الفسيحة مكونة من ساحتين من لون واحد فإذا بي أواجه في نهاية القسم المرتفع من الساحة القسم المنخفض بإرتفاع حسبته قليلا وهكذا تقدمت قدمي اليسرى إلى فراغ في عمق مترين تقريباً وسقطت على الأرض في الجزء الأعلى من خاصرتي اليسرى إلى امتداد فخدي الأيسر …و يالها من سقطة موجعة أكثر من كل السقطات الأخرى .
وهكذا حملوني أولاد الحلال إلى سيارة ابنتي “ملداء” التي تلفنوا لها فحضرت و حملتني بسيارتها إلى مشفى الفيحاء في الميدان حيث يعمل أحيانا فيها ابني الطبيب الجراح “طرفة بغدادي” حيث مكثت بضعة أيام حملت بعدها إلى داري و أنا ما أزال أعاني أوجاع السقطة الجديدة أكثر من كل الأوجاع الأخرى إذ كان الوجع عميقا جداً في طرفي الأيسر مما جعلني الآن أعجز عن النهوض من فراشي و التنقل من مكان إلى مكان آخر و يجري إبني طرفة كل مجهوده في معالجتي بالأدوية والقيام بحركات خاصة لساقي اليسرى…
أكتب هذه الكلمات الموجعة وأنا أفكر …ما هذه الصدمات التي حطمتني جسديا؟؟ و فيم أنا بالذات دون إخوتي وأقربائي ومعارفي الشخص الذي نزلت به هذه المصائب.
و أنا لم أذكر إلا بعضها ؟ ماهي ذنوبي التي يعاقبني ربي عليها ؟ و قسمي بالله إنني لم أرتكب معصية تذكر في حياتي كلها ..لماذا كل هذه الاوجاع و الآلام يارب ؟!
ألا تكفي مصائبنا وأوجاعنا القومية والوطنية والاجتماعية والثقافية التي يلاحقنا دمارها منذ ألاف السنين …من نحن يارب بالنسبة لك ؟! وحوش الغابات والبحار والاوبئة التي توشك أن تلغي الحياة عن كوكبنا الجميل ! أنا لا يعزيني الآن شيء …رحمتك فقط يارب! ألا يكفينا كل هذا العذاب ؟ !