حرية التعبير (2)
حرية التعبير …نكتشف إذن أن المسؤولية في الأزمات التي تعيق فهم الحرية و تطبيقها تقع على طرفي الصراع ، الطرف الأول هو عن مسؤولية المحرومين من الحرية هم الجهلة و الفقراء و المرضى صحياً وأخلاقياً وقد عالجناها بإختصار شديد في مقالتنا الأولى.
أما في مسؤولية المسيطرين على غياب الحرية فيظهر في طليعتهم الحكام القادرون على فرض نظام إستبدادي في الحكم قادر على منع الحريات العامة بالقوة والسيطرة التامة على أجهزة التعليم والتثقيف والإعلام ، فإذا طالت سيطرة هذه الأنظمة على الحكم تتحول الطبقات المحرومة من الزعامة والقدرة على الإقناع إلى طبقات شعبية مريضة نفسياً إذ تبدو عاجزة عن فهم وضعها الإجتماعي فتغدو مناصرة للحكم الإستبدادي و أن مناصرتهم هذه ليست بسبب الخوف من السلطة بل من القناعة المريضة والناشئة عن نجاح الحكم الإستبدادي في فرض إرادته زمناً طويلاً يمتد إلى مئات القرون كما حدث للعرب في القرن الرابع الهجري من العصر العباسي إذ استطاع الإنحطاط العام في الحكم والفكر والأخلاق أن يستمر إلى أيامنا الحاضرة في مختلف الدول الإسلامية والعربية ، حيث تغيب الحريات العامة المنصوص عنها في الدساتير المختلفة ، و تسود أمراض التخلف الحضاري التي تشوه الطاقات العقلية لدى العامة مما يجعل غياب الحريات العامة حالة طبيعية لدى الأكثرية الإجتماعية.
غير أن الدول العربية إستطاعت أن تحتال على موضوع الحرية في إحترام نظام سياسي بارع في تغطية عيوبه وأنماط خداعه الجماهير التي تتحرك أحيانا للمطالبة بالحريات العامة كما حدث مثلا في الدول الغربية الكبرى مثل فرنسا منذ خمسين عاما تقريباً حين تحولت المظاهرات الطلابية إلى ثورة إجتماعية سيطرت وقتئذ نسبياً على جزء كبير من العواصم الأوروبية الكبرى الأخرى كما حدث في فرنسا وألمانيا خاصة ثم انهار كل شيئ حين استطاعت قوات الأمن الخاص والعام وبعض فرق الجيش الوطني أن تحاصر الثوار وتقضي على حركتهم الثورية على أنها مخالفة للقانون و تقضي عليها في مهدها.
مازلنا – مع الأسف العميق في جميع الدول العربية محرومين حتى الآن من الحرية حتى في الإنتخابات العامة التي برعت الحكومات القائمة في تزييفها كإجراءات ديمقراطية فعلاً و إلا فما معنى حكم رئاسة الجمهورية في معظم الدول العربية مُحتكر لأسرة محددة أو لشخص واحد ..
هيهات …ووداعا أيتها الحرية إذ لا لقاء لنا بك إلا في أحلامنا و كتاباتنا الضائعة …