بكين – لم تعجبني أغنية “علّي الكوفية الفلسطينية يوما، إذ كنت أشعر بكل العار عندما تعلو نغماتها في الاحتفالات في الوقت الذي يعيش فيه أهلي في فلسطين أسوأ حالاتهم، فأي “كوفية” سترتفع، وأهلها ومحبيها يموتون بشكل يومي، ونحن نتفرج !
وعلى الرغم من أني وبعد سفري إلى الصين، أصبحت أرى الوطن أحيانا في تفاصيل الأشياء. إلا أني لم أستطع أن أرى الوطن حياً في “الكوفية الفلسطينية” التي يتغنون بها في الاحتفالات. خاصة وأن التغني في التراث العربي أيا كان شكله غالبا ما يأتي بعد أن تنهار دولنا . فلا يبقى منها إلا الأغنية والياسمينة واللباس التقليدي .
منذ يومين كنت أتحاور مع صديق صيني حول الوضع في الشرق الاوسط والاعتداء الأخير على غزة. فسألني عن “سبب وجود فئة كبيرة من الشعوب العربية لا تقبل بحل الدولتين. فهو حل واقعي وقد يكون الحل الامثل في الوقت الراهن”..
فعلى الرغم من أن الشعب الصيني متعاطف تماما مع فلسطين ويعرف حجم الظلم الحاصل، إلا أنه وانطلاقا من البراغماتية الصينية وبحثا عن حل واقعي قد بمثّل حل الدولتين بالنسبة لهم خياراً جيداً.
فأخبرته أنني من جيل يشعر بكل الذل والانكسار عندما لا يطالب بكل شبر من فلسطين. ليس فقط لأننا تربينا على هذا الشيء. بل لأننا نعرف أنه وإذا تم الاعتراف باسرائيل فلا صحيح في تلك الحياة. ولا ضمير حي سيبقى لنا ولا حلم يتحقق ولا قدر يقف مع الشعوب. نعرف أنه إذا لم تعد فلسطين إلينا من البحر إلى النهر، سيكون الخذلان هو قدرنا الأمثل. الذي يجب أن نتعامل معه راكعين. فحتى ولو كان حل الدولتين حلاً عملياً، إلا أنه بالنسبة لنا ضربة لضميرنا.
تساءل بعدها عن سبب عدم وجود وحدة في الصف العربي، وهو بالطبع أمر مستحيل أن يحدث. فنحن وفي السنوات الفاصلة ما بين اعتداءين متتاليين على فلسطين المحتلة، ننكل ببعضنا نحن العرب ونتحارب ونختلف وننقسم بين مؤيد ومعارض. إلى أن تأتي ضربة لـ “غزّة” عندها يصحو ضميرنا على شكل تنديد ومؤتمر وكلام فارغ. وبأحسن الأحوال نقف دقيقة صمت قبل احتفالاتنا الرسمية حداداً على أرواح شهداء فلسطين.
ابتسم قائلاً: “نحن في الصين نقول: إذا لم نتعلّم لوحدنا ونكتشف مسارات التحديث الخاصة بنا سيأتي اليوم الذي تدعي فيه أمريكا أنها تعلمنا. وقد يكون هذا ما يجب على كل دولة عربية فعله. على كل دولة عربية أن تقيم تنمية حقيقية كي تتجنب أن يعتدى عليه بحجة حمايتها”.
لم نزل نحن العرب عاجزون عن التعلّم. فكل ما حلّ بنا وبدولنا من دمار وخراب، لم نتعلّم ولم نملك من الأدوات سوى التلويح بالكوفية. والغناء لها مع أمنيات بأن يكون القادم أفضل.