في منطقة الساحل، فرنسا تغادر والجزائر تتراجع والمغرب يتقدم
في منطقة الساحل، فرنسا تغادر والجزائر تتراجع والمغرب يتقدم…سلطت مجلة جون افريك الفرنسية التي تهتم بالشؤون الإفريقية، الضوء على التقلبات الجيوسياسية في المنطقة والتي جسدت ثلاث انقلابات عسكرية ملامحها مع ما رافق ذلك من تغيرات جذرية بمغادرة فرنسا تقريبا لمنطقة الساحل وتراجع نفوذ الجزائر، بينما يحرز المغرب تقدما ويثبت نفوذه بفضل مقاربة سياسية واقتصادية رصينة.
وأشارت المجلة في افتتاحية بقلم مدير تحريرها فرنسوا سودان إلى أن المغرب هو الذي شكل الاستثناء في خضم هذه التطورات، بينما باتت فرنسا غير مرغوب في وجودها وأصبحت مرفوضة من معظم دول المنطقة وتتبعها الجزائر التي بدأ نفوذها يتراجع.
وأشار سودان إلى انحسار نفوذ فرنسا في منطقة الساحل واضطرارها لمغادرة أغلب الدول التي كان لها فيها نفوذ قوي ومنها الدول الثلاث التي شهدت انقلابات عسكرية غيرت قواعد اللعبة السياسية وهي مالي والنيجر وبوركينافاسو. وتأسست الانقلابات على عقيدة رفض الوجود الفرنسي.
وكانت عدة تقارير سابقة وحتى شخصيات سياسية قد تحدثت عن الأخطاء الفرنسية في منطقة الساحل من بينها طريقة تعاطيها مع تلك الدول فقط كانت تخدم مصالحها بشكل غير متكافئ وتستفيد من ثرواتها دون أثر لتلك العلاقات على وضع شركائها الأفارقة.
كان الرئيس الفرنسي قد تحدث في خطاب قبل ولايته الرئاسية الجديدة عن إستراتيجية جديدة في إفريقيا تتضمن تعاملا مختلفا بما يخدم مصالح هذه البلدان على قاعدة المصالح المتبادلة.
وتأخذ مصادر غربية وافريقية على حكومات فرنسا المتعاقبة التعامل بفوقية مع مستعمراتها السابقة، ما أشاع موجة كراهية للوجود الفرنسي.
ولفتت افتتاحية جون افريك كذلك النظر إلى وضع الجزائر في منطقة الساحل، مشيرة إلى أنها تواجه بدورها تراجعا ملحوظا خاصة منذ أزمتها مع مالي التي أفضت إلى تحلل المجلس الوطني (العسكري) الحاكم من اتفاقية السلام للعام 2015 وهي الاتفاقية التي تمت برعاية جزائرية بين الحكومة والمتمردين وبينهم متمردي الطوارق.
والاتفاقية التي أنهت مالي التعامل بها كانت تضمن للجزائر إلى حد كبير أمن واستقرار حدودها الجنوبية، لكن العمليات التي يشنها الجيش المالي ضد المتمردين أصبحت اليوم على بعد بضع عشرات الكيلومترات من تلك الحدود
كما ترددت معلومات عن تسلل متطرفين من شمال مالي إلى داخا الأراضي الجزائرية وقد يفسر هذا في جزء كبير منه سبب تواتر تحذيرات غربية من تهديد إرهابي جدا يطرق أبواب ولاية تندوف التي تضم المقر المركزي لجبهة بوليساريو الانفصالية.
وشكل استقبال الرئيس الجزائري في الفترة الماضية شخصيات من طوارق مالي (تنسيقية أزواد) معروفة بمواقفها الداعمة للانفصال، الشرارة التي أشعلت فتيل الأزمة اذ اعتبر المجلس العسكري قيام الجزائر بهذه الخطوة دون تنسيق معه، تدخلا في شؤونه وبنى موقفه على سوء النية لدى النظام الجزائري.
كما اشتكت الحكومة المالية من عمل الجزائر في السر والعلن ضد مصالحها، مشيرة إلى مواقف معادية في قمة دول عدم الانحياز وكذلك من خلال موقفها الرافض لرفع العقوبات الأممية عن باماكو.
وبحسب ‘جون افريك’ فإن المجالس العسكرية التي تحكم حاليا دول الساحل مثل مالي والنيجر وبوركينا فاسو،
ولا ترتبط المجالس العسكرية التي تحكم حاليا دول الساحل (مالي والنيجر وبوركينا فاسو) بأي علاقات جيدة مع فرنسا وكذلك الجزائر، على وقع استمرار تدهور العلاقات الثنائية.
وعلى طرف نقيض من وضع الجزائر وفرنسا، تقول المجلة الفرنسية إن المملكة المغربية تضاعف مبادراتها باتجاه دول الساحل الافريقي من أجل اقتناص فرص كسب علاقات جديدة وملء الفراغ الناجم عن انحسار النفوذ الفرنسي والجزائري.
وأشار فرنسوا سودان في افتتاحية جون افريك إلى أن من بين المبادرات المغربية التي استأثرت باهتمام دول الساحل، مبادرة الأطلسي التي طرحها العاهل المغربي الملك محمد السادس وهي المبادرة التي تتعلق بتوفير المغرب بنيته التحتية من طرق وموانئ على الواجهة الأطلسية لفائدة دول الساحل التي لا تمتلك واجهات بحرية، من أجل إنعاش تجارتها الخارجية وبالتالي إنعاش اقتصادها المحلي.
وأوضح أن الأحداث الكثيرة التي تشهدها منطقة الساحل الإفريقي خاصة مع مؤشرات تفكك التكتل الاقتصادي ‘إيكواس’ بعد انسحاب النيجر ومالي وبوركينا فاسو، تنذر بتحولات كبيرة في المشهد السياسي والاقتصادي في المنطقة.
وقال إن هذه التحولات تخدم بدرجة أولى مصالح المغرب وفق المؤشرات الحالية، بينما لا تتدخر المملكة جهدا في توسيع علاقات التعاون وعملت منذ إنهاء الملك محمد السادس سياسة الكرسي الشاغر واستعادته مقعد المملكة في الاتحاد على تعزيز مكانة بلاده في العمق الإفريقي وفق مقاربة تنموية شاملة.
ولا يمكن النظر للانعطافة الأخيرة في المواقف الفرنسية باتجاه تصحيح مسار العلاقات مع المغرب بمعزل عن إدراك فرنسا أن المملكة أصبحت رقما صعبا في معادلة التنمية والاستقرار لا يمكن تجاهلها ولم يعد من الممكن أن تستمر باريس في المكابرة والعناد.
وتريد فرنسا على الأرجح من خلال ما تسميه تبديد سوء الفهم الذي شاب العلاقات الفرنسية المغربية، العودة إلى إفريقيا من بوابة المغرب أو أقلها الحفاظ على الحد الأدنى من النفوذ في المنطقة.
ميدل إيست أون لاين
لزيارة موقع بوابة الشرق الاوسط الجديدة على الفيسبوك
لزيارة موقع بوابة الشرق الاوسط الجديدة على التويتر