بلا حدود

في وداع صديق الدرب عماد الدين الدبوسي، رفيق الوفاء والمحبة

ماهر عصام المملوك

ما أصعب الكتابة حين تكون الكلمات نعيًا، وما أثقل الحروف حين تتسابق لتودّع من كانت له في القلب منزلة لا تعادلها منزلة.

رحل عن دنيانا الغالي عماد الدين أبو عدنان، وترك في الروح فراغًا لا يملؤه أحد، وفي القلب غصّة لا تُشفى.

لم يكن عماد الدين مجرد صديق، بل كان أخًا وهبه لي القدر، وتعرفنا على بعضنا البعض في مكتب والدي المحامي المرحوم عصام المملوك بعد عودتي وانتهائي من تحصيلي العلمي من امريكا وأورثني عمق واحترام صداقته هذه والدي من بعده – رحمه الله ورحم الاستاذ عماد الدبوسي – من خلال مهنة المحاماة، التي لم أوفِ والدي رغبته في أن أدرسها وأمتهنها.

عوّضه الله عني في ذلك بأخي عماد، الذي أحب والدي وشاركني في برّه وودّه وولائه، في علاقة لا يمكن أن تُوصف، امتدت حتى اللحظة التي ودّع فيها الحياة.

لقد وجدت في عماد الأخ الذي ورثته من زميل مهنة أبي، ومن من سبقه في امتهانها، وكأنما شاءت الأقدار أن تمتد تلك العلاقة الأنيقة  الموروثة من جيل إلى جيل.

منذ لقائنا الأول، شعرت أنني أكمل علاقة بدأت قبلي، علاقة جذورها الاحترام، الوفاء، المحبة، والولاء الصادق.

أربعون عامًا من الصداقة ليست مجرد رقم، بل سجلٌّ حافل بالذكريات والمواقف، بالمساندة في الشدائد، والمشاركة في الأفراح، وبالحديث العميق الذي كان يطيل الليل ويُغني العقل والقلب.

كان عماد الدين محاميًا، لكنه قبل أن يكون رجل قانون، كان رجل مروءة ومبدأ.

كان يدافع عن الحق، لا لأن ذلك واجبه المهني فحسب، بل لأنه جزء من تكوينه، من فطرته، من ضميره الحي.

لم أره يومًا يتخلّى عن محتاج، أو يتأخر عن واجب، أو يخذل من استنجد به. كان وجهه دائمًا بشوشًا، وصوته يحمل ثقة لا تُكسر، ونفسه نقية لا تعرف المواربة.

كانت علاقتي به نموذجًا للصداقة النبيلة، تلك الصداقة التي لا تشوبها مصلحة، ولا يعكرها تقلب الزمن.

كنا نكمل جُمل بعضنا البعض، نفهم الصمت كما نفهم الكلام، ونعرف متى نتحدث ومتى نصمت، ومتى نساند ومتى ننصح.

ولأن عماد الدين لم يكن عابرًا في حياتي، فإن فقده ليس حدثًا عابرًا.

أشعر أن جزءًا مني قد غاب برحيله، وأن الزمن توقف عند لحظة الفقد، وأن الحياة، رغم استمرارها، صارت أقل بهجة، أقل معنى.

ومع كل هذا الحزن، أحمد الله أن منحني هذا الصديق، وأشكره على نعمة أربعين عامًا من الأخوة الصادقة والمودة العميقة.

فالوفاء لا ينتهي بالموت.

سيبقى اسمه حاضرًا في دعائي، وسيرته نبراسًا يُضيء طريق من عرفوه. وسأحكي عنه كما يُحكى عن الكبار، عن أولئك الذين مرّوا في الحياة مرور الكرام في ظاهرهم، لكنهم تركوا فيها أثرًا لا يُمحى.

نم بسلام يا عماد الدين.

لقد كنت صديقًا لا يُعوّض، وأخًا لا يُنسى، ومحاميًا عن الحق حتى آخر لحظة.

بوابة الشرق الأوسط الجديدة

 

لزيارة موقع بوابة الشرق الاوسط الجديدة على الفيسبوك

لزيارة موقع بوابة الشرق الاوسط الجديدة على التويتر

زر الذهاب إلى الأعلى