كانت هنا دمشق
بلى .. لقد بدأ الباحثون في تاريخ المدن يطرحون الآن هذا السؤال : ماذا تبقى من دمشق ؟!
ماذا تبقى فعلاً من أصالة هذه المدينة التي يعتبرها الكثير من المؤرخين أكبر مدينة عرفها البشر، لا لشيء سوى أنها نشأت في مكان محاط بالصحارى والجبال .. مكان صالح لعبور القوافل التجارية التي تستريح فيه والبشر الذين كانوا يبحثون عن مأوى طبيعي يصلح للسكنى والإقامة المستقرة .. في ما يشبه الواحة كان هذا المكان يتحول إلى مدينة كبرى وعاصمة عالمية لأمبراطوريات عريقة من الشعوب المتنوعة المختلفة كالأراميين والسريان والرومان واليونانيين وأهل البوادي المقفرة التي تحيط بها من الجنوب والجنوب الشرقي من أهل القبائل العربية و خاصة عرب شبه الجزيرة العربية …
ماذا تبقى من هذا التاريخ الجغرافي و البشري الآن ؟!
لنستعرض الآن باختصار ماذا تغير في هذه المدينة العريقة .. و لنبدأ بنهر بردى الذي يمر بها من الغرب إلى شرقها تقريبا فيسقي غوطتها الطبيعية ويشارك في مياه الشرب الصالحة لسكان المدينة كيف فقد مع الزمن مجراه كي يشارك مع ينابيع الفيجة كماء صالح لشرب السكان المتزايدين وهكذا يتحول مجراه الطبيعي الآن إلى ما يشبه مزبلة للنفايات …
أما الغوطة الحافلة بالتربة الصالحة للزراعة والحافلة بالحدائق والبساتين من الأشجار المثمرة الطيبة كالمشمش والدراق والتفاح والعنب والخوخ والرمان وغيرها من حقول للفول والقمح و غيرها من نباتات صالحة للإستعمال حتى لقد باتت في أيام الجمعة والعطلات واحة يقصدها سكان دمشق للراحة واللهو والمتعة والمرح بين الأشجار وعلى الأعشاب الخضراء، وكيف فقدت الغوطة مع النكبات والصراعات المسلحة والقصف بالقنابل خلال غزو المدينة أو إساءة الحكومات في إستخدام الغوطة لمصالح عسكرية…حتى لم يبق من الغوطة الآن سوى مساحات صغيرة وصار السكان ممنوعين رسمياُ من النزهة التقليدية لهم في أيام الجمعة والعطلات الدينية والرسمية الأخرى …
حتى السكان فقدوا أصالتهم وعراقتهم وتقاليدهم الدمشقية العريقة حين هاجر منها الكثيرون و إندفع إلى سكناها من هجر أرضه وقراه في هجرة قاسية من الريف إلى المدينة أكثر فأكثر و أسرع فأسرع …
واحسرتاه عليك يا دمشق و قد فقدت بردى و الغوطة و الشخصية الشامية العريقة و عمرانها الخاص بها كمدينة تاريخية إكتسحتها العمارات الإسمنتية الضخمة التي لا طابع خاص لها سوى الضحامة بعكس تونس و المغرب مثلا و لا أقول باريس كي لا أتهم بالتحيز الأجنبي ..
هذه هي دمشق الأن في هذا الزمان !.. واحسرتاه عليك يا أعرق و أجمل البلدان!….
بوابة الشرق الأوسط الجديدة