كيف دمر نظام الأسد الاقتصاد السوري ؟
![لم ينتعش بعد الاقتصاد السوري، عقب حوالي شهرين من هروب بشار الأسد إلى خارج سوريا، إذ تواجه الحكومة الانتقالية ت](https://greatmiddleeastgate.com/wp-content/uploads/2025/02/2025-1.jpg)
لم ينتعش بعد الاقتصاد السوري ، عقب حوالي شهرين من هروب بشار الأسد إلى خارج سوريا، إذ تواجه الحكومة الانتقالية تحديات اقتصادية كبيرة بسبب السياسة الاقتصادية التي كان النظام السوري ينتهجها، ما يثير تساؤلات عن كيف وصل الحال بالبلاد إلى هذه المرحلة من التردي الاقتصادي على مدار حكم آل الأسد.
رغم أن معدلات الأسعار بدأت بالانخفاض، وبات الحديث عن العملات الصعبة أمراً متاحاً لا تكون نهايته السجن. إلا أن الوضع الاقتصادي يحتاج إلى كثير من العمل. لا سيما أن أولوية الحكومة الجديدة هي إعادة بناء سوريا، بحسب تصريحاتها المتكررة.
كيف دمر نظام الأسد الاقتصاد السوري ؟
لكن ما يشهده السوريون هو انفراجات على أكثر من صعيد، رغم الوضع الصعب. فالصرافة يغزون الشوارع، والجميع يعرض بضاعته في العلن. كما أن البضائع الأجنبية ملأت المحال التجارية.
كذلك الحال مع السيارات الحديثة والأجهزة الخليوية. التي حصر نظام الأسد استيرادها لعقود، بأسماء معينة يمنع الاقتراب منها، وإلا كان السجن أيضاً مصير من يخالف ذلك.
زكي محشي، باحث في كلية لندن للاقتصاد والعلوم السياسية، قال لـ”عربي بوست”، إن الكثير من الأصناف المهمة كانت محصورة بأشخاص معينين. إذ كانت تذهب شهادات الاستيراد لهم حصراً. سواء باسمهم الحقيقي أو بأسماء شركات الظل والشركات الوهمية أيضا.
استشهد محشي بشخصية يسار إبراهيم المقرب من عائلة الأسد. الذي كان يملك عشرات الشركات التابعة له. وعشرات الشركات بأسماء موظفين إداريين عنده. لتجاوز العقوبات والتمويه بعدم وجود احتكار في سوري. وهو الأمر ذاته الذي لطالما تحدثت عنه التقارير الإعلامية.
أكد كذلك أن النظام السابق لم يكن مهتماً بأسماء المحتكرين. وإنما بالوظيفة التي يؤدونها. ولذلك لم يتردد يوماً في تغييرهم وفرض عقوبات على بعضهم وحجز أموالهم.
حصر استيراد عدد من المواد الأساسية بأسماء قليلة.
توضح سجلات وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك، أنه خلال الأشهر العشر الأولى من عام 2023. انحصر استيراد عدد من المواد الأساسية بأسماء قليلة.
فمادة السكر الخام والأبيض، استوردها 53 مستورداً. والأرز 55 مستورداً. والشاي 54 مستورداً. والموز 24 مستورداً، السردين 27 مستورداً، والتونة 23 مستورد. بن غير محمص 140 مستورداً، كما انحصر استيراد حليب أطفال الرضع بـ9 مستوردين، وزيوت عباد الشمس الخام بحوالي 14 مستورداً.
أما المتممات العلفية والإسمنت الأبيض والطحين فانحصرت بحوالي 15 مستورداً لكل منها، وأجهزة الموبايل بحوالي 16 مستورداً.
حتى هذه الأرقام الصادرة عن جهة رسمية سابقة، لا تبدو دقيقة بالمطلق، لأن الاحتكار في سوريا كان يشمل بشكل خاص أسماء بعينها، مثل طريف الأخرس، عم أسماء الأسد، الذي اشتهر لسنوات بأنه حوت السكر.
كما عرف عن خضر علي طاهر الشهير بلقب أبو علي خضر، وأحد المقربين من أسماء، باحتكاره استيراد الأجهزة الخليوية لصالح شركة اتصالات “إيماتيل”، التي أمرت أسماء الأسد بتأسيسها، وغيرها من الأسماء، التي سبق ذكرها في تقرير سابق لـ”عربي بوست”.
الأصناف الأكثر مبيعاً وطلباً بالسوق، كانت محصورة بفئة محددة،
يتحدث الخبير الاقتصادي جورج خزام، بأن “الأصناف الأكثر مبيعاً وطلباً بالسوق، كانت محصورة بفئة محددة. مثل الاحتكار للعلف الذي يباع بسعر أعلى 70% عن دول الجوار. واحتكار استيراد ألواح الطاقة الشمسية وملحقاتها التي تباع بأكثر من 100% عن دول الجوار. وكذلك تجارة جميع أنواع المعادن والخردة لصالح الفرقة الرابعة التابعة للجيش التي كان يرأسها “ماهر الأسد” شقيق بشار الأسد”.
وأضاف خزام .بأن من يتجرأ ويلتف على الفرقة الرابعة بشراء المعادن والخردة، فإن التهمة الجاهزة هي تجارة المعادن بقصد تصنيع السلاح. وتكون العقوبة السجن لسنوات وغرامات بملايين الدولارات.
الصناعي الدكتور مازن ديروان، لفت إلى أن أسماء كثيرة يعرفها السوريون كانت في الواجهة وتعمل مع ماهر الأسد. مثل خالد قدور في ملف الدخان. و”وسيم قطان” الذي كان يملك 90% من المولات. وكذلك الأمر مع “رئيف القوتلي” الصديق المقرب من ماهر الأسد. ويضيف الدكتور ديروان أن من الأسماء المتورطة أيضاً “عارف درويش” الذي وصفته تقارير كثيرة بأنه واجهة لأعمال الإيرانيين في سورية. بالإضافة إلى شركة “الفاضل” للصرافة التي كانت واجهة وهمية لأعمال حزب الله في سوريا وخارجها.
عدم الثبات على رأي واحد، وتغيير القوانين بين الفينة والأخرى.
تاجر ومستورد سوري تحدث لـ”عربي بوست” فضّل عدم ذكر اسمه. قال إنه من ضمن المشاكل مع النظام السابق، بما يخص الاحتكار والاستيراد. عدم الثبات على رأي واحد، وتغيير القوانين بين الفينة والأخرى أيضا.
تحدث عن تجربة شخصية حدثت معه. فبعد أن أخذ إجازة استيراد لإحدى المواد التي كانت مسموحة في حينها. بدأ إجراءات الاستيراد، ومن ثم شحن البضاعة. وفي هذه الأثناء قررت الحكومة منع استيرادها، وكان من العسير عليه التراجع فأكمل سير الشحنة إلى سوريا. محاولاً إقناع المعنيين بأن إجازته سابقة للأمر، لكن دون فائدة.
وأكد أن هذا النوع من المشاكل لم يكن يحل إلا بعد دفع رشاوي ضخمة.
تطرق كذلك إلى موضوع الرشاوي والأتاوات التي كانت تجري بالعلن. موضحاً أن “ماهر الأسد وذراعه يسار إبراهيم، كانا يملكان علاقات مع تجار عدة. يدفعون له شهرياً مليون دولار كي يبقوا موجودين في الساحة”.
وقال: “لتأمين المبلغ، يقوم تجار بالتهريب أو القيام بمخالفات، ولا يستطيع أحد حصر الثروة التي تم جمعها من هذه الأتاوات وحدها”.
الاقتصاد السوري إلى الهاوية
كشفت بيانات البنك الدولي، بأن الناتج المحلي الإجمالي تقلص بنسبة تزيد عن 50% بين أعوام 2010 و2020. كما أعيد تصنيف سوريا دولة 720منخفضة الدخل منذ عام 2018.
بحسب البنك الدولي. انخفضت كذلك قيمة العملة المحلية السورية. وباتت البلاد الآن بين الدول الـ 10 الأكثر انعداماً للأمن الغذائي فيها عالمياً.
وارتفعت معدلات الفقر، إذ طال الفقر 69% من السكان، أي نحو 14.5 مليون سوري.
وكان النظام السوري يتهم العقوبات الغربية المفروضة على سوريا بأنها السبب بوصول البلاد إلى هذا الخراب. دون التطرق إلى الفساد، الذي كان مدعماً بالقوانين التي من بينها “ترشيد المستوردات. كما وعدم التعامل بالعملات الصعبة، ومنصة تمويل المستوردات” أيضا. بحسب الباحث محشي.
خلق الاحتكار الذي كان كارثة حقيقية في سوريا.
وعلّق بأن ترشيد المستوردات كان هدفاً نبيلاً في ظاهره، لتوفير العملة الصعبة. لكن ما جري على أرض الواقع كان بخلاف ذلك، إذ تحول لصالح المحسوبين على النظام السابق للاستفادة منه، ومن ثم خلق الاحتكار الذي كان كارثة حقيقية في سوريا.
الدكتور ديروان، تحدث عن “جربة ابتزاز” تعرض لها عام 2016، حينما طلب مصرف سوريا المركزي من شركته إجراء “تسوية” لمبالغ عدة لاستلام القطع الأجنبية لها عام 2012، فقدم الوثائق المطلوبة، ليكتشف أن الأمر “مجرد حيلة طلب مبلغ لإنهاء الملف، دون وجود ملف من الأساس”، على حد قوله.
عدم تعاون الدكتور ديروان، عرضه لاعتقال 3 موظفين من شركته، وكانت التهمة نقل أموال “سورية” داخل سوريا بشكل “غير مشروع”.
وقال إنها تهمة واهية، مصدرها اللجنة الاقتصادية بقيادة “يسار إبراهيم” و”أسماء الأسد”، عن طريق فرع مخابرات منطقة الخطيب سيئ السمعة.
وأوضح أن “الابتزاز كان بطلب 4 ملايين دولار أمريكي، وبعد مفاوضات طويلة وصل المبلغ لما يقارب 400 ألف دولار، دفعها في المصرف المركزي، في صندوق يسمى “صندوق دعم أسر الشهداء”، ولكن بقي أحد موظفيه في السجن سنتين ونيف، بعدما طلب النظام منهم مبلغاً جديداً ضخماً يقارب 3 ملايين دولار”.
من جانبه، يقول لؤي نحلاوي، نائب رئيس مجلس إدارة “غرفة صناعة دمشق وريفها”، إن أي صناعي يسحب قرضاً، يفرض المركزي عليه شروطاً وقيوداً كبيرتين، باستثناء الشركات الوهمية التي كانت تأخذ ما تريد بدون أي ضمانات، وبأرقام مرعبة جداً، لأشخاص متنفذين جداً، سحبوا هذه الأموال من البنوك لجيوبهم”، على حد قوله.
وأوضح نحلاوي أن “ما هدم الاقتصاد السوري في الفترة الأخيرة هو القروض والأموال المسحوبة بهذه الطريقة، لذلك يجب إعادة فتح ملفاتها”.
الاقتصاد السوري منصة تمويل المستوردات
في نهاية شهر آب/أغسطس 2021، صدر القرار 1070، وتأسست بموجبه منصة تمويل المستوردات، تفرض على المستوردين تسديد 50% من قيمة بضائعهم بالليرة السورية لدى المنصة عند تقديم طلب التمويل لمنح إجازة الاستيراد، على أن يتم استكمال المبلغ المتبقي خلال شهر من تاريخ إدخال البضائع للبلد، ووضعها في الأسواق.
لكن بعد أيام قليلة من تسلّم هيئة تحرير الشام القيادة في البلاد، ألغى مصرف سوريا المركزي منصة تمويل المستوردات هذه، وسمح للمستوردين بتمويل مستورداتهم من مصادرهم.
وقال ديروان إن “هذه المنصة كنا ننظر إليها على أنها كانت بمثابة آلية لغسل الأموال الناتجة عن تجارة المخدرات، على رأسها الكبتاغون”، مضيفاً أن “الإصرار على استخدام هذه المنصة أجبر المستورد سابقاً على إيداع قيمة المادة المستوردة في المنصة قبل حوالي 4-7 أشهر من تحويل قيمتها للمصدر، ما يجبره على دفع فرق سعر الصرف إذا ارتفع خلال هذه المدة”.
وشرح بأنه كان على المستورد أيضاً أن يدفع ثمن البضاعة المستوردة مرة أخرى للشركة المصدرة، لكي يحصل على بضاعته قبل انقضاء المدة، بسبب حاجة السوق لها، وهذا يعني أن عدد المستوردين الذين لديهم القدرة المالية للاستيراد قلت بشكل كبير، ما أضعف المنافسة، والبطؤ في الدورة المالية لرأسمالهم، بالتالي أصبحت تكاليف الاستيراد عالية لأبعد الحدود، لا يقدر عليها إلا حيتان النظام السوري، على حساب المستهلكين المنهكين أصلاً”.
وتابع بأن “هذا سبب ارتفاع أسعار المواد المستوردة سابقاً”.
منصة تمويل المستوردات فتحت باب الفساد واسعاً على المقربين من السلطة
الخبير محشي، قال إن “المنصة بحد ذاتها فتحت باب الفساد واسعاً على المقربين من السلطة، فمن كان محسوباً على النظام تنتهي معاملته بسرعة، ويأخذ القطع الأجنبي، فيستورد بها مادة أخرى غير ذات أولوية تحتاج عادة لوقت طويل حتى تنتهي إجراءات الموافقات عليها”.
ولفت أيضاً إلى. أن الاستيراد لم يكن كله يتم عن طريق المنصة، وهذا ما تكشفه قرارات البنك المركزي، فمن يملك حسابات في الخارج أو إيداعات يمكن أن يستورد. وتلك هي شركات الظل التابعة للنظام، التي أسست أعمالاً لها في أربيل أو في الإمارات وبيروت، وبعض الشركات فتحت في رومانيا وبعض الدول الأوروبية، وهي كانت الذراع للاستيراد لصالح شركات سورية، أو لصالح تجار سوريين، وفق قوله.
كل التراكمات الاقتصاد السوري السابقة تسببت بارتفاع معدلات التضخم بشكل كبير، بحسب الخبير محشي.
وكشف تقرير صادر عن مصرف سوريا المركزي أن معدل التضخم السنوي في البلاد بلغ 67.4% خلال الفترة الممتدة من كانون الأول 2023 إلى نوفمبر/تشرين الثاني 2024. مسجلاً مستوى أعلى من نظيره في كل من لبنان وتركيا.
كما أوضح التقرير السابق. أن الرقم القياسي لأسعار المستهلك ارتفع إلى 20,988 نقطة خلال الفترة المذكورة، مقارنة بـ12,536 نقطة في الفترة السابقة.
وعلق عليها بالقول إن هذه الأرقام لم تأت من فراغ، فهي نتاج أزمة الطاقة وارتفاع أسعار المشتقات النفطية، وأيضاً العقوبات الاقتصادية المفروضة، وتراجع الزراعة والصناعة، وربما قبل كل هذه الأسباب يأتي الفساد، وهو ما يبرر الانخفاض اليوم بالأسعار وتوفر غالبية الأصناف وخاصة المحروقات، وأيضاً تحسن سعر العملة المحلية.
يشار إلى أن سعر الدولار بات 11 ألف ليرة سورية بدلاً من 15 ألف ليرة قبل هروب رئيس النظام السوري بشار الأسد إلى خارج البلاد.
عربي بوست
لزيارة موقع بوابة الشرق الاوسط الجديدة على الفيسبوك
لزيارة موقع بوابة الشرق الاوسط الجديدة على التويتر