مررت قربه .. واقفا على الرصيف .. يضع أمامه بضع زجاجات شفافة ويسأل احد المارة ان يشتري منه !!
رجل طاعن في السن مهيوب عليه لاحة العز والوقار فلفتني الموقف ووقفت أمامه أسأله ماذا يبيع فقال : مازهر .. طبيعي .. ممتاز !! نظرت باستغراب لم يقنعني شكلها . يبدو لي مجرد ماء شفاف خفيف ..!!
فهم نظرتي فأجاب بسرعة : صدقيني انه ممتاز ومعبأ يدويا !!.
بين المشكك والمهتم سألته بكم الزجاجة فقال ٥٠٠ ليرة سورية !! ومعي ٦ زجاجات .. ان اخذتها كلها أحسم لك بالسعر.
شعرت بالشفقة تجاهه . رجل وقور محترم يحاول أن يبيع بضع زجاجات ليعيش . قلت لنفسي سأشتري منه .. وان لم استخدمها !!!
اقتربت منه وقلت له راعيني بالسعر وسأشتري الزجاجات الست . شعرت بسعادته وهو يقول حسنا .. خذيهم كلهم ب٢٥٠٠
وافقت .. دفعت له النقود ومشيت . وصلت المنزل ووضعت الزجاجات الستة داخل خزانة المطبخ ..ونسيتها. مضت الأيام ونسيت الزجاجات إلى ان جاء وقت سفري إلى بلاد بعيدة ..
رتبت أولوياتي وأخذت حاجياتي .. وفتحت خزائني كلها .. تأملتها بنظرة فاحصة .. ماذا أترك وماذا أحمل معي في حقيبة قد لا تتسع لها كلها .. ولكنني سآخذ بعضا منها علها تفيدني واترك أشياء تعيدني.
صفنت قليلا .. هل أخذ واحدة معي منها .. ؟!؟ علها تنفع !! وضعت زجاجة واحدة في حقيبة السفر وتركت الخمسة الآخرين … للزمن وأكملت ترتيباتي .. وسافرت … لأتابع حياتي..
بعد مدة طويلة .. هناك .. احتجت ماء زهر على عجل بعيدة عن كل شيء .. احتاجها .. تذكرت الزجاجة الوحيدة التي حملتها ..علها تنفع !! فتحتها ففاحت منها رائحة منعشة غزت ذاكرتي .. وداعبت أشواقي !! شممتها بعمق وتذكرت الموقف ..انها منعشة ..قوية .. مركزة ..جيدة .. جربتها .. فكانت فعلا ممتازة!
شعرت بسعادة . فعلا كان الرجل صادقا .. احترمته .. وشعرت بالشكر والامتنان له !! وأصبح الماء زهر صلة وصل الى ذاكرة أشتاقها .. كلما شعرت بحنين .. فتحتها .. شممتها .. وانعشت ذاكرتي بها ..
ربما أكون قد ساعدته مرة حينها .. ولكنه في الحقيقة هو من ساعدني أكثر !! لأنني اشعر براحة وانسانية في كل مرة .. أفتحها .. وتعيد الي روح البلد .. في كل مرة .. أشمها !!!!