بين قوسين

ماذا تحتاج سوريا اليوم ؟؟؟؟

جولي الياس خوري

في هذه المرحلة التي بدأ فيها الناس يستعيدون صوتهم، ويعبّرون عمّا يحملونه من هموم وآمال، بات من الضروري أن نوضح بعض المفاهيم التي يُساء فهمها أحيانًا، وذلك حرصًا على سلامة الخطاب الوطني، واحترامًا لحق الجميع في أن يسمعوا صوتًا صادقًا لا يتهم ولا يحرّض، بل يوضح ويطالب ويأمل.

أولًا: انتقاد السياسات لا يعني انتقاد الأديان

حين نوجّه نقدًا إلى سياسة حكومية أو إلى سلوك مسؤول، فإننا لا نهاجم دينًا ولا طائفة. الدولة ليست تجسيدًا لدين أو مذهب، بل هي كيان يفترض أن يمثل جميع المواطنين، بكل تنوعهم الديني والثقافي والاجتماعي. الاعتراض على الخطأ الإداري أو السياسي لا علاقة له بالدين، ولا ينبغي أن يُفسّر على هذا الأساس.

ثانيًا: الحكومة مسؤولة عن خدمة الشعب

الرئيس والمسؤولون، من وزراء ومحافظين ومدراء، هم موظفون في الدولة، ووظيفتهم الأساسية هي خدمة المواطنين، والسهر على مصالحهم، وحماية حقوقهم. العلاقة بين المواطن والدولة ليست علاقة خضوع، بل علاقة عقد اجتماعي أساسه الاحترام والمساءلة المتبادلة.

ثالثًا: النقد البناء هدفه الإصلاح لا الهدم

النقد الذي يُوجَّه إلى مؤسسات الدولة أو إلى أداء بعض المسؤولين ليس غايته التخريب أو التشويه، بل الإصلاح والتطوير. المطالبة بالتغيير لا تعني الرغبة في الفوضى، بل تعني الطموح إلى واقع أفضل. نحن ننتقد لأننا نؤمن بأن هذه الدولة قادرة على النهوض، وأن نجاحها هو نجاح لنا جميعًا.

رابعًا: دور الرئيس لا يلغي مسؤولية الفريق الحكومي

ليس من المنطقي أن يكون الرئيس على علم بكل التفاصيل، فالدولة لا تُدار بفرد، بل بفريق متكامل. ومع ذلك، فإن من واجب المواطنين أن يرفعوا الصوت عندما يرون خللًا، لأننا نؤمن بأن إصلاح الخطأ يبدأ بالاعتراف به، وبإيصاله إلى من يملك القرار. عندما يتكلم الشعب بثقة ومحبة، فهذا يعني أن لديه أملًا بأن صوته سيُسمع ويؤخذ بعين الاعتبار.

خامسًا: لا يمكن تحقيق المصالحة دون عدالة

هناك فئة من السوريين لم تنَل حقّها، ولم تُنصَف، ولم تُستمع إلى آلامها، منذ أكثر من خمسة عقود. لا يمكن الحديث عن تسامح حقيقي دون تحقيق العدالة. العدالة ليست انتقامًا، بل هي ضرورة نفسية وأخلاقية لكي يتمكّن الناس من الشفاء، والمضيّ قدمًا في حياتهم، وبناء وطن يُنصف الجميع.

سادسًا: السوريون شعب متنوّع ومتعايش

الشعب السوري تاريخيًا هو شعب متعدّد الأديان والثقافات، وقد عاش في تناغم لأجيال طويلة. ما يحتاجه اليوم هو العدالة، والحرية، والحق في العمل، والمشاركة الحقيقية في إعادة إعمار وطنه. هذا الشعب حين يحصل على هذه الفرص، سينهض بسوريا من جديد، وسيرسم مستقبلًا أجمل مما مضى.

سابعًا: الأديان السماوية دعوة للسلام لا للكراهية

السوريون ينتمون إلى أديان متعددة، ولكنّهم يجتمعون على قيم سامية واحدة: الرحمة، المحبة، الإخلاص، والتقوى. من يخاف الله لا يظلم، ولا يستغل سلطته، ولا يتاجر بالدين. إن الذين يدافعون عن سوريا بصدق هم أولئك المؤمنون الحقيقيون، من المسلمين والمسيحيين، الذين يرون في الإنسان قيمة عليا، وفي الوطن مسؤولية مقدسة.

الختام

سوريا لا تحتاج إلى مزيد من القسوة، بل إلى الحنان. تحتاج إلى قلوب صادقة، تجرؤ على أن تقول الحقيقة، وتسعى إلى الإصلاح، وتؤمن أن الوطن ملك لكل أبنائه، لا لفئة دون أخرى.

سوريا بحاجة إلى العدالة، والحرية، والمشاركة، والعمل. وعندها فقط، نستطيع أن نقول بكل ثقة: نحن سوريون، ونحن فخورون.

بوابة الشرق الأوسط الجديدة

لزيارة موقع بوابة الشرق الاوسط الجديدة على الفيسبوك

لزيارة موقع بوابة الشرق الاوسط الجديدة على التويتر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى