هل نقلت أمريكا نموذجها الدموي السوري وفتنتها الطائفية الى أفغانستان..
تدعي أمريكا ليل نهار بأنها الدولة الأعظم في العالم على صعيد تكريس قيم الديمقراطية والحريات، والتعايش والتسامح بين الأعراق والأديان، ولكن الصورة مختلفة تماما على ارض الواقع من حيث كونها الداعم الرئيسي لبذر بذور الفتن الطائفية والعرقية وزعزعة استقرار الدول والمجتمعات وامنها، خاصة اذا رفضت قياداتها ان تكون تابعا مخلصا وذليلا لسياساتها ومشاريعها العسكرية والاقتصادية.
أفغانستان، ولأكثر من عشرين عاما كانت بمنأى عن الحروب، والصدامات، ذات الطابع الطائفي، وبين الشيعة والسنة تحديدا، الا بما ندر، ولكن هذا المشهد تغير، وبعد أسابيع قليلة من هزيمة الولايات المتحدة الامريكية بشكل مهين، وانتصار حركة طالبان، وسحب جميع القوات الامريكية من كابول، وهروب الرئيس اشرف غني بملايينه الى دولة الامارات.
الهجوم الانتحاري الذي استهدف اليوم (الجمعة) مسجدا شيعيا في قندهار وأدى الى مقتل 42 مصليا واصابة 74 أخرين بجروح، نسبة كبيرة منها خطيرة، جاء بعد أسبوع من هجوم انتحاري مماثل على مسجد للشيعة في قندوز أوقع العدد نفسه تقريبا من الضحايا، وبعد ثلاثة أسابيع تفجير من مسجد للسنة في كابول.
مدينة قندهار التي افاقت على هذا التفجير الانتحاري للمسجد الشيعي في يوم الجمعة المبارك تعتبر عاصمة حركة طالبان، ومسقط رأسها، والحاضنة الأولى لها، ومعظم سكانها من الطائفة السنية، ويشكل اتباع المذهب الشيعي اقلية فيها، ولم نسمع او نقرأ من قبل عن أي هجوم على مساجد الشيعة، بل قرأنا وسمعنا عن صور وردية مشرفة عن التعايش والتكافل بين أبناء الطائفتين.
***
حتى تنظيم “القاعدة” المتشدد دينيا الذي كان يحظى بحماية حركة طالبان، وكلفت هذه الحماية الحركة الاطاحة بإمارتها الإسلامية الافغانية الأولى في العدوان الأمريكي عام 2001، لم يُقدم مطلقا على أي هجوم طائفي الطابع على الأهداف والتجمعات الشيعية في البلاد، والأكثر من ذلك الرسالة شديدة اللهجة التي أرسلها الدكتور ايمن الظواهري الى ابو مصعب الزرقاوي رئيس فرع التنظيم في العراق يؤنبه فيها على قتل أبناء هذه الطائفة بالسيارات المفخخة، بإعتبار ان هذا العمل يشكل خروجا عن قيم الإسلام السمحة.
حتى كتابة هذه السطور لم يعلن أي تنظيم مسؤوليته عن هذه المجزرة، لكن تحقيقات اولية لم تستبعد وجود بصمات لتنظيم “الدولة الإسلامية ـ فرع خراسان” خلف هذه التفجيرات لمعارضتها حكم حركة “طالبان”، وعدم الاعتراف بحكمها، والاحتلال الأمريكي أيضا.
مشكلة حركة الطالبان الكبرى انها قاومت الاحتلال الأمريكي لأكثر من عشرين عاما وقدمت مئات الآلاف من الشهداء وانتصرت، ومصيبتها الثانية، في نظر الامريكان، انفتاحها على الصين، وتعميق علاقاتها مع ايران ومد حبال الود مع روسيا، أي المثلث الذي يشكل العدو اللدود لهم، ولهذا صدر القرار بتقويض حكمها، واستنزافه وصولا الى اسقاطه.
إدارة الرئيس بادين التي جعلت من شرق آسيا ومواجهة الخطر الصيني على نفوذها وزعماتها، الأولوية القصوى لسياستها الخارجية الاستراتيجية، تريد تطبيق النموذج الفوضوي التقسيمي الدموي السوري في أفغانستان، وتحويلها منصة انطلاق لزعزعة امن الصين واستقرارها، من خلال تبني جماعات إسلامية متشددة ودعمها، والتركيز خاصة على طائفة الايغور الاسلامية (تركستان الشرقية) المحاذية مناطقها لأفغانستان.
واللافت، ونحن نتحدث هنا عن تجربة ومشاهدات شخصية، ان تنظيم خُراسان المتشدد يتمركز حاليا في منطقة “تورا بورا” الجبلية الوعرة قرب الحدود الأفغانية الصينية (سلسلة جبال هند كوش التي تشكل امتدادا للهملايا اعلى القمم في العالم)، الامر الذي قد يجعل الوصول اليها صعبا للغاية، ومن المفارقة ان هذه المنطقة (تورا بورا وجوارها) كانت المقر المفضل لزعيم تنظيم القاعدة، ومركز عملياته، وقصفت قبل عامين كهوفها طائرة أمريكية من طراز “بي 52″ القاذفة العملاقة بقنبلة بـ”أم القنابل ” التي يزيد وزنها عن عشرة أطنان، وتستطيع تدمير العديد من هذه الكهوف.
الفتنة المذهبية فشلت في سورية مثلما فشلت في العراق وستفشل في لبنان، واكبر مهندسيها الجنرال الأمريكي بريمر يعيش حاليا معزولا وتطارده اللعنات في أمريكا، ولا نعتقد انها ستنجح في أفغانستان على المديين المتوسط والبعيد.
حركة طالبان، وان اختلف الكثيرون مع ايديولوجيتها الاسلامية المتشددة، ونحن من بينهم، لم تستلم السلطة الا منذ شهرين فقط، وبدأت للتو في وضع الأساس لحكومتها، وتحمل عبء إقامة امارتها بعد ان ورثت خزينة خاوية، وارث كبير من الفساد والفوضى من دولة الرئيس اشرف غني، عميل أمريكا الهارب، ولهذا يشكل الملف الأمني نقطة ضعفها.
من الصعب التنبؤ بمستقبل مشروع الفتنة الأمريكي في أفغانستان ومآلاته، ولكن ما يمكن التنبؤ به انه ربما يحقق بعض النجاح في الأشهر وربما السنوات القليلة المقبلة، خاصة على صعيد الفوضى والتفجيرات الانتحارية، ولكن مصيره الفشل حتما، وسيكون قمة هذا الفشل اذا جاء الرد الطالباني باللجوء الى الإرهاب الانتقامي من المصالح الامريكية، سواء بشكل مباشر، او غير مباشر، باحتضان جماعات اسلامية متشددة على غرار تنظيم “القاعدة”، وعلينا ان نتذكر ان امارتها الإسلامية الأولى عاشت خمس سنوات تحت حصار امريكي خانق (1996 – 2001) وباعتراف ثلاث دول بها فقط، (الامارات، السعودية، باكستان) وتستطيع ان تعيش 50 عاما دون اعتراف امريكي، هذا اذا يقيت أمريكا دولة عظمى.. والله اعلم.