آلاف المقاتلين على محاور البادية: العشائر في معارك الشرق
على الرغم من انتقادات الكثيرين للعشائر بسبب تأخّر إعلان تأييدها الواضح للجيش، وجد البعض الآخر أسباب عديدة تفسّر تأخر «صحوة الضمير» هذه. الرؤية الأخيرة تقول إن وقوع مناطق وجود العشائر تحت سطوة الجماعات المسلحة، كان عاملاً مهماً في تأخّر تظهير هذا التأييد، الذي حسم «ورقة العشائر» لمصلحة الدولة السورية، وسحبها من أيادي بعض الدول الخليجية التي حاولت بكل ثقلها استمالة العشائر ضد دمشق.
في بداية الأحداث السورية، و تشكل ثقلاً سكانياً كبيراً في البلاد، على الحياد، أو اتخذت موقفاً صامتاً. غير أن عدداً من أبنائها انخرطوا في أنشطة عسكرية ضد الجيش السوري، لا سيما خلال السنين الثلاث الأولى من الصراع، وذلك نتيجة ارتباط جذور العديد منها بعدد من دول الخليج، وخاصة قطر والسعودية. وأسهم هذا الارتباط في انضواء الكثير من أبنائهم ضمن تنظيمي «جبهة النصرة» و«داعش». وبينما تعتبر معظم الزعامات العشائرية التي انخرطت في الصراع ضد الجيش من الوجوه غير المعروفة والمركزية، فإن العديد من الوجوه المعروفة حافظت على تأييدها الصامت أو المعلن للحكومة، ولم تظهر أي موقف عدائي لها، ولكن من دون فعالية عسكرية. واقتصر دور المؤيد منهم للحكومة في بداية الأحداث على عقد المؤتمرات أو ما كان يطلق عليه وقتها «الخيم الوطنية». كذلك كان حجم التصعيد الإعلامي ضد الجيش ومحاولة تظهير الطابع الطائفي للحرب، من أسباب تأخر انخراطها بشكل واضح إلى جانبه.
ولعل معركة الحسكة (عامي 2014/ 2015) ضد «داعش»، كانت بداية ظهور الدور العسكري لأبناء العشائر، الذين وإن بقي الكثير من أبنائهم ضمن صفوف الجيش، فإن ظهورهم القوي بدأ لأول مرة في القامشلي والحسكة إبان تشكيل «الدفاع الوطني» و«المغاوير». ووصل عديد التشكيلين الأخيرين إلى أكثر من خمسة آلاف عنصر، ولعبا دوراً مهماً في صدّ هجمات «داعش» على أرياف الحسكة والقامشلي. وعكس هذا الدور إرادة عشائرية بالوقوف إلى جانب الجيش، وهو ما يؤكده واقع أن معظم عناصر وحدات الجيش المنتشرة في الحسكة هم من أبناء المحافظة.
ودفعت مجازر «داعش» بحق أبناء ريف دير الزور، بالمئات من أبناء الشعيطات والبوسرايا، إلى الفرار من مناطق سيطرة التنظيم باتجاه مناطق سيطرة الجيش، والانخراط في صفوفه في دير الزور وتدمر. ولعب هؤلاء بعدها دوراً مهماً في دعم الجيش على هاتين الجبهتين، مع توسّع واضح للدور الذي لعبه أبناء العشائر ضمن «الدفاع الوطني» و«مقاتلي العشائر» في تعزيز صمود الجيش في دير الزور.
وفي السياق ذاته، يقول مصدر في «الدفاع الوطني» في دير الزور، لـ«الأخبار»، إن «غالبية أبناء العشائر لم يتخذوا موقفاً عدائياً ضد الجيش. ولعل طول أمد الصراع، والمظلُمة التي لحِقت بالعشائر من المجاميع المسلحة العديدة التي مرت على المحافظة، دفعا بأبناء العشائر إلى مساندة الجيش في حربه ضد الإرهاب». وأسهمت قدرة الكثير من أبناء العشائر على الفرار من مناطق سيطرة «داعش»، وخاصّة في الرقة، في انضمامهم إلى صفوف القوات الرديفة للجيش، أو انخراط آخرين ضمن صفوف «قوات سوريا الديموقراطية» التي تشكل حوالى نصف تعدادها.
ويبرز اليوم اسم «مقاتلي العشائر» كقوة أساسية مساندة للجيش في معاركه ضمن البادية، والتي بدأت في تدمر، وتتوجه اليوم من الرقة نحو دير الزور. وتؤكد مصادر ميدانية لـ«الأخبار» أن «أعداد مقاتلي العشائر تضاعفت بشكل كبير مع دخول المعارك معاقل (داعش) في البادية ودير الزور، وباتت أعدادهم بالآلاف». ورأت المصادر أن «ما يحصل هو ردّ فعل شعبي واضح ضد جرائم التنظيم، وتعبير عن موقف العشائر الحقيقي الرافض لممارسات (داعش)، والداعم للجيش». ولفتت إلى أن «مقاتلي العشائر باتوا يلعبون دوراً حاسماً في المعركة ضد (داعش)، كونهم أبناء المنطقة ويدركون تفاصيلها الجغرافية، ما يشكل عاملاً مساعداً في التقدم السريع للجيش».
وفي حديث إلى «الأخبار»، يرى نائب الأمين العام لـ«حركة الاشتراكيين العرب»، و قائد قوات «مقاتلي العشائر» تركي البوحمد، أن «العشائر كان لها دور وطني كبير، وقدمت العديد من أبنائها شهداء في صفوف الجيش والقوات الرديفة له». وقال إن «(داعش) فرض سطوته على الأهالي ومنعهم من المغادرة باتجاه مناطق سيطرة الجيش، لأنه يعلم أن أغلب الناس هم حاضنة شعبية للجيش». ورأى أن تضاعف أعداد المنتسبين إلى قوات العشائر «أمر طبيعي يعكس حقيقة موقف أبناء العشائر الذين باتوا يشعرون بالأمان مع اقتراب الجيش منهم». وتوقع البوحمد أن «يتم التقدم في دير الزور بسرعة، نظراً إلى الدور المهم الذي يلعبه الأهالي في تقديم الدعم بالمعلومات الدقيقة، لإنهاء حقبة سوداء في تاريخ المنطقة».
وفي غضون ذلك، تمكن الجيش و«مقاتلو العشائر» من تقليص المسافة التي تفصلهم عن بلدة معدان، المعقل الأقرب لتنظيم «داعش» في ريف دير الزور الشمالي الغربي، والتي يتوقع أن تشكل نقطة انطلاق للتقدم نحو مدينة دير الزور من هذا المحور. وتزامن ذلك مع تقدم الجيش وحلفائه في عمق البادية على محور حقل الهيل ــ السخنة، عبر السيطرة على تل أم خصم وجبل القليلات جنوب غرب بلدة السخنة، التي في حال استعادة السيطرة عليها، ستشكل مفتاح الطريق للتقدم نحو دير الزور.