أردوغان يَعتَرِف بِوُجود مَساعٍ أمريكيّة لإعادة هَيكلة الشَّرق الأوسط انطلاقًا من سورية والعِراق

حَذَّر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في خِطابٍ ألقاهُ يوم الجُمعة من أنّ الولايات المتحدة الأمريكيّة باتَت تُهَدِّد الأمن التُّركي من خِلال إرسالِها أكثر من خمسة آلاف شاحِنة لدَعم المُسلَّحين الأكراد في شمال سورية، وأكَّد وجود مَساعٍ لتَنفيذ مَشروع يَهدِف لإعادة هَيكلة المِنطَقة انطلاقًا من العِراق وسورية الأمر الذي سيَضع على عاتِق تركيا عِبئًا ثَقيلاً.

ليس هُناك أي جديد في تَحذيرات الرئيس التُّركي هذهِ، وما كُنَّا نَتوقَّعه، وغَيرنا كثيرون، هو كيفيّة مُواجَهة مِثل هذهِ الأخطار التي تُهدِّد تركيا ودُوَل المِنطقة الأُخرى، والسِّياسة الإقليميّة التي يُمكِن أن يتَّبِعها الرئيس أردوغان في المَرحلةِ المُقبِلة.

المُخَطَّط الأمريكي الذي يَهدِف إلى تَفتيت دُوَل المِنطقة وإقامة كياناتٍ جَديدة على أُسسٍ طائِفيّة وعِرقيّة لم يَبدأ اليوم، وإنّما قَبل سبع سنوات، وشارَكت فيه تركيا ودُول عربيّة عَديدة، نتيجةَ سُوءِ فَهمٍ أو ضُغوطٍ أمريكيّة، وما يَجري الآن في سورية والعِراق، هو تَتويجٌ وترجمةٌ عمليّة له، أي مُخطَّط التَّفكيك الأمريكي.

أمريكا والدُّول الغربيّة الأُخرى، وخاصَّةً فرنسا وبريطانيا، تَرى في مُخطَّط إعادة الهَيكلة هذا القَضاء على ثلاثِ دُوَلٍ إقليميّة رئيسيّة (تركيا، العِراق، سورية)، من خِلال تَفكيكِها من الدَّاخِل وإقامَة كياناتٍ مُتناحِرة، في إطارِ حُكومَةٍ مَركزيّةٍ هَشّة وصُوريّة، وبِما يَخدِم مَصلحة إسرائيل وتَأمين وجودِها كقُوَّةٍ إقليميّةٍ في المِنطَقة.

الغَزو الأمريكي الثُّلاثي للعِراق نَجح في تَقسيمه إلى ثلاث كياناتٍ شيعيّة وسُنيّة وكُرديّة، والآن تسعى أمريكا لتِكرار السِّيناريو نفسه في سورية (دولة كُرديّة في الشَّمال، وشمّريّة شَرق الفُرات، وحورانيّة، في الجَنوب الغربي)، على أن تكون تُركيا المُستهدَفة في المَرحلةِ الثَّالثةِ والأخيرة من هذا المُخَطَّط.

تركيا لا تستطيع التَّصدِّي لهذهِ المُؤامرة الأمريكيّة التي تُريد إعادة هيكليّة المِنطقة، ورسم خَرائِط جديدة لها، لوحدِها، وإنّما بالعَمل مع جيرانِها السُّوريين والعِراقيين، في إطار استراتيجيّة مُحكَمة، ولكنّها، أي تركيا، لا تَفعل ذلك للأسف، وتَضع قَدَمًا في أمريكا، والأُخرى في روسيا وحُلفائِها، وتُصدِر بيانًا تُؤكِّد فيه دَعمَها للعُدوان الثُّلاثي في سورية.

نتَّفِق مع الرئيس أردوغان في مَقولَتِه، أنّ هذا المُخطَّط يَضَع عِبئًا كبيرًا على عاتِق تركيا، ودَعوتِه لإجراء انتخابات رئاسيّة برلمانيّة مُبكِرة، تَعكِس حالة القَلق التي تَسود حزب العَدالة والتنمية الحاكِم وحُلفاءِه، والذين ينكمشون، وباتوا مَحصورين في الحِزب القومي اليميني الذي يُواجِه انقساماتٍ داخليّة، بينما يَتكتَّل أعداء الرئيس أدروغان رُغم التَّناقُضات العَديدة بينهم، للإطاحةِ بِه، وإنهاء فترة سيطرة حُكمِه على مُقدَّرات الدَّولة التي امتدت لأكثر من 15 عامًا، تَحقَّق خِلالها العَديد مِن الإنجازات الاقتصاديّة.

الرئيس أردوغان عندما خَيّر أمريكا بين الخَيارين التُّركي أو الكُردي، ردَّت عليه بالتَّجاهُل، واختيار الأكراد، وزادَت من دعمِها العسكريّ والماليّ والسِّياسيّ لهم، والآن من حَقِّنا أن نُطالِب الرئيس أردوغان بأن يُقَرِّر أين سيَقِف في المُعسكِر الأمريكي الذي يُريد أن يُفَتِّت بِلاده، ويُزعزِع استقرارها، وأمنها، ويٌقيم كياناتٍ عِرقيّة وطائفيّة على أرضِها، أو المُعسكَر الآخر الذي يُقاتِل ضِد هذا المُخطَّط في المِنطَقة؟

لا نَعتقِد أنّنا سنتلقّى إجابَةً سريعَةً على هذا السُّؤال، ليس لأنّ الرئيس أردوغان مُنشَغِل في الانتخابات الرِّئاسيّة والبَرلمانيّة المُبكِرة التي دَعا إليها، وتُشَكِّل تَحدِّيًا حَقيقيًّا لزعامَتِه، وإنّما لإيماننا أنّه ما زالَ يُراهِن على الحَليف الأمريكي القديم، وإصلاح العلاقات معه، وإعادة المِياه إلى مَجاريها السَّابِقة.

مَرَّة أُخرى نَقول بأنّ ما لا يُدرِكه الرئيس أردوغان أنّ أمريكا تَرى الأُمور في الشَّرق الأوسط من المَنظور الإسرائيلي، والغَرب ما زال يَعتقد أنّ تركيا القَويّة تُشَكِّل تهديدًا له، والخيار البَديل والمَنطقي أن يتَّجِه إلى الشَّرق الحاضِنة الطَّبيعيّة لتُركيا، والأكثر دِفئًا.. والله أعلم.

صحيفة رأي اليوم الألكترونية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى