نوافذ

ماذا لو كنت حجر الشّطَرنج ؟!

اليمامة كوسى

لا أذكر تماماً كم كان عمري عندما علّمني والدي لعب الشّطَرنج للمرة الأولى، لكنني أذكر جيّداً كم شغلتني محاولات هزيمته حينها..

أصبح الأمر شغلي الشاغل طيلة أيام – وربما أسابيع- حتّى تمكّنت أخيراً من أن أحظى بفوز خاطفٍ لا زالت تنعشني ذكراه حتى الآن.

لقد مرّ وقتٌ طويل على آخر مرة لعبتها فيها، لا أعلم السبب حقّاً، ولكني شعرت برغبة كبيرة ذلك اليوم بأن أجدّد الدماء في تلافيف دماغي، فبدأت باللعب مع أخي مجدداً.. وبينما كان يفكر في لعبته الحاسمة التي لا بد وأن يجعلها حديث الأسبوع بطوله فيما لو سارت كما يخطط، قلتُ لنفسي: لو خُيّرت أن أكون قطعةً من قطع الشطرنج، ماذا كنت لأختار؟!

الكثيرون ربما سيختارون أن يكونوا جنوداً عاديين، لا مهارات استثنائية، لا مجازفات، ولا فروقات تُذكر بين أي جندي وآخر بجانبه، وبالمقابل إنّ الجندي موجود دائماً بجانب أصدقائه ومستعدّ للتضحية في أي وقت، كما أنه مجتهد ويطمح أن يترقّى إلى رتبة أعلى في يوم من الأيام.

أكادُ أجزم بأنّ الكثيرين أيضاً سيختارون الوزير أو الملكة كما يسمونها، فهي القطعة الأنشط والأقوى وصاحبة المقدرات الأوسع على الرقعة، ولكنها تمتلك مسؤوليات كثيرة تجعل منها الهدف الأول الذي تضعه القطع الأخرى محطّ أنظارها لتقضي عليه وهذا ما سيجعلها متأهّبة على الدوام.

أظن بأن القلة سيختارون الملك، صحيح أنه صاحب السلطة والجميع يتحرك من أجله ولكن حركته مقيدة جداً وقد يرى كل مملكته تتهاوى أمام عينيه قبل أن يلقى حتفه!

بالنسبة للقلعة أو الطابية فهي قطعة رصينة تقبع في الصفوف الخلفية تراقب كل مجريات اللعبة من بعيد وتنتظر الفرصة المؤاتية لتتدخّل، ولكنها متمهّلة لدرجة كبيرة قد يعتبرها البعض جبناً.

أمّا لمن سيختار الفيل فهو قطعة شجاعة فعلاً، لها دور فعّال على الرقعة ولا سيما في الافتتاحيّات، ويعتبر مسانداً قوياً في أية عملية هجوم لكنه يتنازل بسهولة، ويقع كثيراً ضحية للأفخاخ.

أما بالنسبة لي فأعشق ذاك الحصان الجامح، فهو بأجنحته العصيّة على الإنهاك أو الترويض، يتمكّن من الطيران فوق كل الحدود والحواجز حاطّاً رحاله فوق كل خانات الرقعة وقتما يشاء..

إنّه القطعة الوحيدة التي تستطيع ابتداء اللعب دون أن تحتاج لحركة أية قطعة أخرى، فهو ملك البدايات صاحب الروح التوّاقة لفكّ الحصار وابتكار المسارات البديلة في الوقت الذي لا يكون هنالك من منفذٍ!

من الصعب جداً أن يأسره أحد، وإن حصل ذلك فسيكون قد أزهق أثمن القطع قبل أن يغادر الرقعة بشرف.

وحتى في نهايات المعارك الشرسة يبقى صبوراً محتفظاً بقواه في الوقت الذي تكون فيه كل القطع الأخرى منهَكَة، فالحصان لا يستسلم أبداً.

أليس ذلك رائعاً حقّاً!

في كل الأحوال سأعترف بأنني خسرت اللعبة أمام أخي بسبب تأملاتي تلك، إلا أني آمل أن أكون قد ربحتُ وصولَ عينيّ أحدهم إلى هنا علّه يرى ما أراه بين خانات تلك الرقعة الملأى بالألغاز والتي لطالما شغلت عقول الكثيرين.

بوابة الشرق الأوسط الجديدة

لزيارة موقع بوابة الشرق الاوسط الجديدة على الفيسبوك

لزيارة موقع بوابة الشرق الاوسط الجديدة على التويتر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى